الأبحاث

تقسيم العراق... الضرر والضرورة

date

السبت 26 ذو القعدة 1443هـ 25 يونيو 2022مـ

irandang

تحت هذا العنوان المذكور أعلاه كتبتُ مقالاً في مجلة (البيان)، ضمن العدد 125، الصادر في شهر المحرم من عام 1419هـ، الموافق لشهر مايو 1998م، أي: قبل نحو عشر سنوات. وكنت أعني بذلك العنوان وقتها: أن الأطراف المهتمة بالمخطط القديم لتقسيم العراق يتظاهر كل منها بأن ذلك التقسيم خطأ فادح، وخطر ماحق، فهو (ضرر) لا بد من تلافيه، بينما تتصرف تلك الأطراف كلها على أرض الواقع على أساس أن ذلك التقسيم (ضرورة) لا فرارَ منها! وبعد مضيِّ ذلك العقد الكامل من الزمن بأحداثه وتداعياته؛ لا تزال مواقف هذه الأطراف تدور حول تلك الازدواجية التآمرية الفاقعة: ضرر أم ضرورة؟! وقد جاء في صدر المقال المذكور عن العراق: « يبدو أنه على أعتاب عهد لم يعهده من قبل، ومرحلة كنا نقرأ عنها ولا نتصور تسارع الأحداث للوصول إليها بهذه الدرجة، وهي مرحلة التفتيت والتقسيم؛ التي تناثرت الأخبار عن المخططات الموضوعة لها، لا فيما يتعلق بالعراق فحسب، بل فيما يختص ببلاد أخرى كمصر و السودان و لبنان وغيرها، بحيث تتحول إلى دويلات بدلاً من دول، على أسس طائفية أو عرقية أو قبلية، لتبقى دولة اليهود سيدة المنطقة، وصاحبة الذراع الطولى فيها، وسط كيانات ممزقة متصارعة متناقضة، مشغولة بنفسها ومنكفئة على ذاتها ».

ثم تناول المقال الكلام عن وضع الأكراد في مخطط التقسيم، فجاء فيه:

« الظاهر أن (الضرورة) الأمريكية تقضي بأن يُعطى الأكراد قطعة من القصعة العراقية، فللزعامة العَلْمانية الكردية أطماعها القديمة في القسمة، وقد دأب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة (مسعود البرزاني) على المطالبة بحكم ذاتي للأكراد، وقاتل الحزب عبر سنوات طويلة للوصول لهذا الغرض، أما الحزب الآخر وهو الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة (جلال الطالباني) فقد جعل قضيته التي يناضل من أجلها: حق تقرير مصير الشعب الكردي. ويقترح الحزب إدارة كونفدرالية بين الحزبين الرئيسيين لأكراد العراق، ويَعدُّ هذا حلاً وقتياً آنياً.

فما هو الحل الدائم؟ إن الحزبين ينتظران ما ستسفر عنه المواجهة بين أمريكا والعراق، فإذا أسفرت عن سقوط النظام أو ضعفه فسيفرضان سيطرتهما كقوتين أو كقوة واحدة فاعلة تمتلك أرضاً وشعباً وقيادة، وقد شهدت الآونة الأخيرة انفراجاً في العلاقات بين الخصمين اللَّدودين في قيادة الحزبين »!

أما عن الشيعة وما يخططون وما يُخطط لهم فقد تعرَّض المقال للخطة التي كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) قد دعا إليها قبل 25 عاماً من كتابة المقال السابق - 35 عاماً من الآن - حيث اقترح ذلك اليهودي منذ تلك الفترة إيجاد إطار استراتيجي عام « يتم بمقتضاه إبقاء الأوضاع ملتهبة بالاختلافات والتناقضات في المناطق المحيطة بالدولة الصهيونية؛ لتظلَّ في مأمن من وجود كيان مستقر وقوي، أو قابل لأن يكون قوياً ومستقراً. وفيما يخص العراق اقترح خطة بترتيب ظروف سياسية وعسكرية كفيلة بإضعاف وحدته، ثم إقامة دولة جديدة في منطقة الخليج، تمتد على أكثر من 80 % من أراضي الجنوب العراقي، إلى جانب منطقة الأحواز التي تقع غرب إيران، ومن شأن دولة كهذه أن تحظى بأكثر من 60 % من الثروة النفطية الموجودة في كلٍّ من إيران والعراق - في حال تغيير الأوضاع في إيران - إلى جانب تمتُّعها بثروة كبيرة وبقطعة زراعية مناسبة، هذا عدا التجانس الحاصل بين سكانها الذين ينتمي معظمهم إلى الطائفة الشيعية المنحدرة من أصول عربية » انتهى النقل.

وأقول الآن: إن ما يثير العجب والغضب معاً، أن أعداء الأمة الذين لا يكادون يستخفون بشيء مما يدبِّرونه لها، ينتقلون من تخطيط إلى تخطيط، ومن تهيئة إلى تنفيذ، في تحدٍّ معلن واستخفاف واضح، بينما جمهور الناس كأنهم يشاهدون رواية معلومة النهاية، فهم لا يرون فيها ما يشير إلى شيء كبير أو مثير! أما المتنفِّذون الكبراء - في غالبيتهم - فإنهم قد تخطوا مرحلة (الفرجة) السلبية، إلى المشاركة العملية في إخراج تلك الروايات أو المخططات! لم يكد شيء يتغير من الخطوط العريضة لما سبق تسرّبه أو تسريبه منذ عقود طويلة عن خطط التقسيم، والوقائع تنتقل بكيان الأمة إلى مزيد من التشتيت، لتتحول من مرحلة القوميات التي تلتها الوطنيات، إلى مرحلة الطوائف والعرقيات والعنصريات، بعد أن كانت أمة واحدة ذات قيادة واحدة كما أمر الله! والعجيب أنه كلما فرَّقَنا الأعداء واصطنعوا لنا حدوداً جغرافية جديدة؛ تعاملنا نحن معها وكأنها من (حدود الله) التي من تعدَّاها فقد ظلم نفسه، فلا تكاد تُقبل الدعوة للعودة عنها إلى طريق الاعتصام والالتحام بين أجزاء الأمة، بل تُضفي على تلك الحدود هالات القُدْسية والتمجيد، فتُجيَّش الجيوش لحمايتها كـ (ثغور)؛ لا من الأعداء بل من الأشقاء، وتُنشد للتغنِّي بها الأناشيد، وتُشيَّد على طولها الأسلاك، وتُصاغ لترسيخها الدساتير. فإذا صار المقسوم إلى تقسيم جديد عن طريق الأعداء أيضاً تكرر تقديس القسمة الجديدة، لتصبح وكأنها حدود جديدة من حدود الله!

الأمة على أبواب تقسيمات أخرى، والأعداء يتبجَّحون بحتميَّتها وأهميتها، وبعضنا لا يزال يتجادل في ضررها أو ضرورتها. وتقسيم العراق مثال صارخ من بين أمثلة عديدة على نوايا تفتيت الأمة وتشظيتها إلى مقاطعات أو (كانتونات) متصارعة.

ولعلِّي من خلال استعراض مواقف الأطراف، من ذلك المخطط القديم المتجدد، أحاول إبراز عمق الأزمة وخطرها على مستقبل العراق، وعلى ما حول العراق، بل على الأمة كلها.

* اليهود وتقسيم العراق:

قُسِّمت فلسطين بالأمس من أجل اليهود، في مسلسل تآمري متدرج، يشبه المسلسل الذي يسير فيه مخطط تقسيم العراق اليوم، وكما كانت أكثر الأطراف المشاركة في تقسيم فلسطين تتنصَّل من مسؤوليتها عنه، فكذلك أطراف تقسيم العراق تتمادى فيه عملاً، وتتبرَّأ منه قولاً، وإن كان هناك من يتفاخر به قولاً وعملاً.

أما اليهود فهم أكثر الأطراف استعلاناً بالأمر، إجمالاً وتفصيلاً، فمن ناحية الإجمال: تقوم (نظرية الأمن الصهيوني) على ست دعائم:

- تفتيت وتقسيم الدول العربية.

- تنقية الدولة اليهودية من غير اليهود.

تحويل تلك الدولة إلى قلعة صناعية وعسكرية لضمان تفوّقها.

إخضاع الاقتصاد العربي للاقتصاد الصهيوني عن طريق التطبيع.

تقسيم أو إضعاف الكيانات الإسلامية الكبرى التي تمثل عمقاً للعالم العربي.

تحويل القدس إلى عاصمة عالمية مصرفية، تكون بؤرة لتوجيه سياسات

الاقتصاد ومن ثم السياسة في العالم.

قد تكون بعض تلك الدعائم حالمة، وبعضها قريب المنال في ظل الهوان العربي، ولكن من المحال أن يتهاون اليهود في البند الأول؛ لأنه لا وصول لما بعده إلا من خلاله، ولعل هذا ما يفسر إصرارهم العنيد على المضيِّ في تلك السياسة بكل جرأة، بالتعاون مع كل أعداء أمتنا ولو كانوا من جلدتنا ويتكلمون بلغتنا.

العراق كان دائماً في طليعة الدول العربية المستهدفة بالتفتيت، في ضمن قائمة من الدول العربية الأخرى.

وقد قسم الاستراتيجيون الصهاينة العالم العربي منذ زمن إلى أربع دوائر؛ الأولى: دائرة الهلال الخصيب التي تشمل العراق ودول الشام، وتتناوب سورية والعراق على قيادتها، والثانية: دائرة وادي النيل، وتقودها بصورة تقليدية مصر، والثالثة: دائرة الجزيرة العربية، وزعيمتها التقليدية هي السعودية، والرابعة:

دائرة المغرب العربي، والريادة فيها بالتقاسم بين المغرب و الجزائر.

وإذا تأمَّلنا في النوايا الظاهرة أو المضمرة تجاه الدول القائدة في تلك الدوائر؛ لوجدنا أنها مستهدفة أكثر من غيرها، حيث إن ضرب الرأس هو دائماً إنهاك لبقية الجسد، وتصفية لقواه.

المجال لا يتسع لاستعراض ما عُرف وما نُشر وما نُفِّذ من خطوات ومخططات تجاه كل الدوائر المذكورة، لكن موضوع هذا المقال يحتاج إلى شيء من التركيز على الدائرة الأولى، وهي دائرة الهلال الخصيب، حيث تتوالى منذ عقود نوايا الشر بالقطرين الرئيسيين فيه، وبخاصة بعد أن تمكَّن اليهود من فلسطين، واحتاجوا إلى تأمين أو تأبيد وجودهم فيها؛ بحلِّ عُرى ما حولها. فيما يتعلق بسورية فإن الاستراتيجية الصهيونية استهدفت على المدى البعيد تقسيمها إلى: دولة (نصيرية شيعية) على طول الساحل السوري، تضمن حماية الدولة اليهودية من جهة البحر، و (دولة درزية) في حوران و الجولان، تكون عمقاً لدولة الصهاينة على البر، و (دولة سنية) في حلب، وأخرى مناوئة لها في دمشق!

أما العراق الذي كان يمثل القوة الأكبر والأهم في دائرة الهلال الخصيب؛ فقد كان المخطط له دائماً أن يقسم إلى ثلاث دول؛ إحداها: دولة للشيعة في جنوب العراق وبخاصة البصرة، والثانية: دولة كردية في الشمال في كردستان العراق، والثالثة: دولة سنية ضعيفة في بغداد، أو فيما يتبقى من بغداد.

وعندما كُشف النقاب عام 1982م عن مخطط التقسيم الجديد الذي يستهدف أكثر الدول العربية؛ كان الكلام عن كلٍّ من سورية والعراق بالغ الوضوح والخطر، ففي تقرير المنظمة الصهيونية العالمية الذي نشرته مجلة (كيفونيم) « اتجاهات » الصهيونية الصادرة في 14 فبراير 1982م، والذي نقلته في حينه صحيفة ( الأهرام الاقتصادي) المصرية جاءت عبارات صريحة تحكي ما يحدث للعراق الآن، وما يُدبَّر لسورية من ذلك الأوان: «.. والعراق الغنيّ بنفطه، والفريسة للصراعات الداخلية، هو في مرمى التشتيت الصهيوني، وانهياره سيكون بالنسبة لنا أهم من انهيار سورية؛ لأن العراق يمثل أقوى تهديد للدولة العبرية في المدى المنظور ».

أما سورية فقد جاء في ذلك التقرير بخصوصها: « إن سورية لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن لبنان الطائفي، باستثناء النظام العسكري القوي الذي يحكمها، ولكن الحرب الداخلية الحقيقية بين الأغلبية السنية والأقلية الحاكمة من الشيعة النصيريين الذين يشكلون 12 % فقط من عدد السكان؛ تدل على مدى خطورة المشكلة الداخلية. إن تفكيك سورية والعراق في وقت لاحق إلى أقاليم ذات طابع قومي وديني مستقل هو هدف الدولة الصهيونية الأسمى في الجبهة الشرقية على المدى القصير، وسوف تتفتت سورية تبعاً لتركيبها العرقي والطائفي إلى دويلات عدة ».

وقبل ظهور تلك الخطة المفصلة التي نشرتها مجلة (كيفونيم) عام 1982م؛ كان قد ظهر كتاب عام 1957م بعنوان (خنجر إسرائيل) للكاتب ( ر.ك. كرانيجيا)، وقد تضمن ذلك الكتاب وثيقة عرفت باسم (وثيقة كرانيجيا)، على اسم ذلك الصحفي الهندي وكان الرئيس المصري الأسبق ( جمال عبد الناصر) قد أعطاه إياها لنشرها، بعد أن تسربت من هيئة أركان الجيش الصهيوني، وهذه الوثيقة تتضمن مخططات مستقبلية حول تقسيم البلدان العربية تقسيماً جديداً بعد تقسيمات (سايكس - بيكو)، فجاء فيها الحديث عن تقسيم سورية إلى: دولة درزية في الجنوب، وأخرى نصيرية في اللاذقية، وإنشاء دولة شيعية في جنوب لبنان، وأخرى مارونية، وكذلك اقتطاع دولة كردية في العراق، وأخرى شيعية في جنوبه!

وهيام اليهود بفكرة تقسيم العراق لم ينقطع؛ سواء عند اليهود داخل فلسطين، أو عند يهود أمريكا أو غيرها، فعندما زار رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ( بنيامين نتنياهو) واشنطن عام 1996م؛ قدَّم له المحافظون الجدد من اليهود ضمن ما قدَّموه مشروعاً لتقسيم العراق، ليرتّب على أساسه سياسات الدولة الصهيونية العسكرية في المرحلة المقبلة، وقد أُعيد تطوير وتقديم هذه الأفكار في مشروع يحمل اسم (بداية جديدة) عام 2000م. وفي السنوات الأخيرة وقبل أن تندلع الحرب ضد العراق بتخطيط يهودي وتنفيذ نصراني مع تواطؤ دولي؛ دعا المؤرخ الإسرائيلي (ببني موريس) في حديث إلى إحدى الإذاعات الأمريكية إلى تقسيم العراق بعد غزوه، وقال: « إن العراق دولة مصطنعة (!!) رسمها الإنجليز، وخلطوا فيها عشوائياً شعوباً وطوائف لا تريد في الحقيقة أن تتعايش مع بعضها »! وهو المعنى نفسه الذي كان يردِّده المؤرخ الأمريكي اليهودي (برنارد لويس) الذي كان يَعدُّ العراق أيضاً كياناً غير طبيعي، قام على أساس خطأ تاريخي تسببت فيه إنجلترا، وإن احتلال العراق ثم تقسيمه فرصة لتصحيح ذلك الخطأ!

لا نستطيع أن ننسى هنا أن مشروع غزو العراق برُمّته هو مشروع المحافظين اليهود الجدد الذين حكموا أمريكا بالشراكة مع الإنجيليين من فريق بوش منذ بداية الألفية الثالثة، كما لا نستطيع أن ننسى أن أول حاكم عسكري للعراق بعد الاحتلال كان هو اليهودي الأمريكي (جاي جارنر)، كما لا يمكننا أن ننسى أن البذور العملية الأولى لمشروع تقسيم العراق بعد غزوه وضعت في الدستور العراقي الجديد، الذي أُسندت صياغته إلى اليهودي العراقي (نوح فيلدمان)!

وقد أشار (بول بريمر) - الحاكم العسكري الأمريكي الثاني للعراق بعد الغزو - في مذكراته المنشورة إلى أنه أصدر أوامره بحلِّ الجيش العراقي؛ استجابةً لرغبة صهيونية جامحة، ثم دعم (جورج بوش) ذلك التوجه!

* أمريكا والتقسيم:

على خطى اليهود يسير الأمريكيون في كل ما يتعلق بقضايا الشرق الإسلامي، وهم وإن كانت لهم مصالحهم في ذلك إلا أنها تأتي في المرتبة التالية بعد مصالح دولة اليهود، فهكذا أثبتت وتثبت الأحداث، حيث إن المصالح الأمريكية لو كانت مقدَّمة على مصالح الدولة اليهودية؛ لما ضحى الأمريكيون بعلاقتهم مع العرب والتي لا مصلحة أبداً للشعب الأمريكي في التضحية بها أولاً بأول.

وقد مثَّل غزو أمريكا للعراق في حرب الخليج الثالثة عام 2003م بعد ضربه وشلِّ جيشه في حرب الخليج الثانية عام 1991م برنامجاً تنفيذياً للسير نحو التقسيم، فأمريكا فرضت مناطق محظورة الطيران على الدولة العراقية لحماية الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، وقد حولت بهذا الإجراء تلك الأجزاء إلى ملاذات آمنة لكلا الطائفتين؛ كي تتفرغا لبناء كيان المستقبل المستقل، وقد ردَّ الطرفان ( الجميلَ) للأمريكان، فكانوا سبَّاقين للتحالف معهم من الخارج والداخل، عندما آنَ أوان الغزو، وكان ذلك التحالف أيضاً نوعاً من التوطئة لإنجاح خطة التقسيم بإسقاط الدولة المركزية.

ويقوم اليهود الأمريكيون بدور الوسيط والرابط بين ما يُعدّ مصالح لأمريكا، وما يُعدُّ مصالح للدولة الصهيونية. ومن الوسائل المهمة في ذلك استخدام مراكز التفكير ومعاهد الأبحاث التي تصدر توصياتها لأصحاب القرار، وبخاصة تلك المراكز والمعاهد التي يسيطر عليها اليهود، وفي هذا الصدد كان أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا (جون ديو) والباحث في معهد (انترابرايز) الصهيوني التابع للمحافظين الجدد؛ قد كتب مقالاً في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) اقترح فيه التعجيل بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم. وقبل تقديمه هذا المقترح إلى الإدارة الأمريكية كان قد اقترح في مقال آخر أن تتولى أمريكا تكوين ورعاية مجموعات إجرامية في العراق من اللصوص والقتلة تقوم بخطف البطولة من المجاهدين بعد انتحال وصفهم، وتشارك في محاربتهم وتشويه صورتهم!

وقد كتب أستاذ قانون أمريكي آخر، وهو (آلان توبول) أحد مستشاري الحكومات الأمريكية المتعاقبة، وأحد منظِّري اليمين الإنجيلي في إدارة بوش، كتب في موقع (Military) الخاص بالجيش الأمريكي مقالاً يدعو فيه إلى البدء في إنجاز مشروع تقسيم العراق، معتبراً أن دول العالم التي وصل عددها إلى 193 دولة لن يضيرها شيء إذا زادت من أعضائها لتصبح 196 دولة بعد نشوء الدول الجديدة في العراق!

وقد تُوجت تلك المساعي الخسيسة بمشروع قرار أخسّ وأخبث، وهو ما أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونجرس) في 26/9/2007م من قرار ينصح فيه الحكومة الأمريكية (ولا يُلزمها) بتبنِّي خطة تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات؛ على أن تقدر هي الضرر أو الضرورة في ذلك. وافترض الكونجرس وهو أبرز مؤسسة لصنع القرار في الولايات المتحدة أن هذا الإجراء هو الحل الأمثل لإعادة الاستقرار إلى العراق!

وبالرغم من أن هذا القرار (غير ملزم) إلا أن المستوى المرتفع للجهة التي أصدرته تجعله في عداد التوجهات الاستراتيجية الكبرى، سواء الحالية أو القادمة، وخاصة أن من قدَّم مشروع القرار إلى الكونجرس هو السيناتور الديمقراطي ( جوزيف بايدن) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والمرشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي لانتخابات عام 2008م. وقد وافقت منافسته الديمقراطية على ذلك المنصب (هيلاري كلينتون) على هذا القرار الذي صدر بموافقة 75 (شيخاً) من أصل مئة!

يذكر هنا أيضاً أن المعاون الرئيسي لـ (جوزيف بايدن) في الترويج لمشروع قرار التقسيم الذي تبنَّاه الكونجرس؛ هو الصهيوني (ليزلي غلب) الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية في الكونجرس، وكان (ليزلي) قد طرح في 25/11/2003م أفكاراً لتنفيذ مشروع التقسيم، نشرتها صحيفة ( نيويورك تايمز)، في مقالة بعنوان (حل الدول الثلاث)، وتعاون ( جوزيف بايدن) نفسه معه في شرح هذه الأفكار وتقديمها.

بعض الذين روّجوا للمشروع قال على سبيل السخرية: إنه سيتمخض عن ميلاد الدويلات الثلاث: (سُنَّستان، و شِيْعِستان، و كُردستان)! العجيب أن عرَّاب التقسيم الفعلي (جورج بوش) كان قد أعلن في تصريح له في 17 أكتوبر 2006م رفضه للتقسيم، وقال على طريقة إظهار التضرر وإضمار الضرورة: « تقسيم العراق مضرٌّ، وسوف يتسبب في فوضى أكبر من التي يشهدها العراق الآن، وسوف يجعل السنة والدول السنية والمتطرفين السنة يتناحرون مع المتطرفين الشيعة، بل إن الأكراد سيخلقون مشاكل مع تركيا وسورية »! وهل أراد هذا الصغير (جُريج) إلا ذلك البلاء الكبير عندما غزا العراق؟!

إن (الفوضى) التي أعلن بوش نفاقاً تخوُّفه منها، هي تلك التي أطلقت إدارته عقالها بين العراقيين، مستهدفة تحويل فكرة التقسيم إلى مطلب شعبي، عندما يبلغ (الضرر) بالعراقيين بسببها حدَّ المطالبة بـ (ضرورة) التقسيم.

لقد بدأت أمريكا منذ اليوم الأول للغزو في تكريس واقع التقسيم، فقسَّمت العراقيين قبل أن تُقسِّم أرضهم، وشرعت في حلِّ الجيش الذي كان من الممكن أن يقاوم خطط التقسيم؛ ثم قام الأمريكيون بإلغاء الدستور القائم على وحدة العراق، ليصنعوا من خلال صنائعهم دستوراً بديلاً يضع بذور التقسيم باسم حق المحافظات في تكوين التجمعات الفيدرالية. وبعد أن مكّنت أمريكا الأكراد من الاستفراد بالمناطق التي تحت أيديهم، وأطلقت يد الشيعة في المناطق التي تحت حوزة حوزاتهم أثناء فترة الحظر الجوي لما يزيد عن عقد كامل تغاضت عن تفحُّش تسلُّح الشيعة والأكراد، وتسلُّمهم مفاتيح إدارة الجيش والشرطة اللذيْن أشرفت أمريكا على تدريبهما وتأهيلهما.

لقد أبقت السُّنَّةَ العربَ وحدهم كما هو مخطط سلفاً بلا حماية ولا رعاية، بل أطلقت عليهم ذئاب وكلاب البشر من روم وفرس ويهود وعرب وعجم؛ كي تزيدهم هواناً على هوان، وضعفاً على ضعف؛ استعداداً لأن يكون هذا مصيرهم ومستقرهم إذا جاء أوان التقسيم (الرسمي)!

للولايات المتحدة مصالحها القديمة من هذا التقسيم، إضافة إلى مصالح الدولة اليهودية، وأمريكا لا تخفي ذلك منذ أن اقترح (هنري كيسنجر) أفكاره حول نقل النفط العراقي والعربي إلى الغرب عبر الدولة الصهيونية!

إن تفكيك وحدة العراق سوف يسهل على شركات النفط الأجنبية والأمريكية الحصول على النفط العراقي بيُسْر؛ لأنها ستتعامل مع دويلات يعادي بعضها بعضاً، ويوالي بعضها الغرب، لكن تلكُّؤ (جورج بوش) عن التعجيل بإنفاذ التقسيم استجابة لمشورة الكونجرس؛ ربما يقف وراءه سبب آخر غير المناورة والتضليل، وهو الخوف من أن إيران ربما تقطف ثمرة التقسيم كلها إذا استعجل الأمريكيون بها كما حدث في الغزو ولهذا فإن البدء بقصم ظهر إيران أولاً ربما كان وراء إعلان الحكومة الأمريكية تحفظها على قرار التقسيم الآن.

وهذا التجافي الأمريكي الرسمي (المؤقت) عن مشروع قرار الكونجرس الأخير يشبه تجاهل إدارة (بوش) بعضَ بنود تقرير لجنة (بيكر هاملتون) التي كلفتها الإدارة الأمريكية بوضع تصور عن حلٍّ للأزمة العراقية عام 2006م، والذي كان في بعض بنوده يقدم (حل التقسيم) كأحد الحلول الناجعة لأزمة العراق.

وفي تصريحات خطيرة للسفير الأمريكي في لبنان (ريتشارد باركر) نشرتها صحيفة (الديار) اللبنانية في 22/7/2007م قال: « إن إدارة جورج بوش ستعمل خلال الفترة المتبقية من ولايته الرئاسية على وضع أسس ثابتة لمشاريع ( خريطة طريق) كبرى لمنطقة الشرق الأوسط، تنطلق من تطلعات القسم الأكبر من ممثلي الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية التي تتمحور كلها حول ضرورة منح الحكم الذاتي (الانفصال) لهذه الأقليات، عبر إقامة أنظمة حكم ديمقراطية فيدرالية بديلة للأوطان والحكومات القائمة الآن »!

فالقضية إذن ليست تقسيم العراق فقط، بل حلّ الكثير من مفاصل العالم الإسلامي أو (الشرق الأوسط الكبير).

* الشيعة والتقسيم:

في إطار التصارع المعاصر بين الفرس و الروم على أراضي العرب ومقدراتهم؛ ترى إيران مصلحة لها في تقسيم العراق؛ فالمناطق الشيعية الغنية بالنفط والتي تحوي ثلاثة أرباع نفط العراق ستكون تحت تصرُّف إيران أو أصدقائها إذا استقلوا بأنفسهم بحسب النظام الفيدرالي. ويتزعم حزب (عبد العزيز الحكيم) الموالي لإيران الترويج بحماس لدعوة الانفصال، وقد دعا في خطاب له في مدينة النجف في 11 أغسطس 2005م إلى إقامة إقليم فيدرالي في جنوب العراق للشيعة، متجاهلاً أن هذا هو عينه تخطيط اليهود وسعي الأمريكان ومطمح إيران، بل إن أطماع شيعة العراق قد تخطت خطط الأعداء لتنادي بإقليم يشمل ( الوسط والجنوب)، الذي يمتد من (الكوت) وينتهي عند البصرة، شاملاً تسع محافظات هي: (الكوت و الديوانية و السماوة و الناصرية و العمارة و الحلة و النجف و كربلاء و البصرة). وقد قال (عمار الحكيم) القائم بأعمال والده عبد العزيز الحكيم بعد إصابته بالسرطان في حديث لصحيفة (الشرق الأوسط) مؤخراً:

« حديثنا عن إقليم الوسط ليس جديداً، بل منذ أن تمَّ الاستفتاء على الدستور العراقي، والدستور ينص على أن العراق دولة فيدرالية ديمقراطية، وأعطى الحق للمحافظات العراقية أن تكون فيدراليات خاصة بها »!

أطماع الشيعة في إيران وما حولها تتعدى حدود العراق - كما هو معروف -، فهم يسعون منذ اندلاع ثورة الخميني إلى ابتلاع كل الأراضي التي يكثر فيها الشيعة على أطراف الجزيرة العربية، ومع الوقت نسمع عن المجالس الثورية الشيعية والحركات الانفصالية، بدءاً من اليمن حيث حركة (الحوثيين) ومروراً بأطراف الجزيرة العربية الشرقية، حتى تنتهي - بعد العراق - بأطراف الشام حتى جنوب لبنان. ولهذا نرى التعاون والتعاطف والتنسيق بين زعماء الشيعة في هذه الأطراف للوصول إلى الغاية الكبرى تحت قيادة (إيران الكبرى)، بينما نجد بعض ساسة أهل السنة - وحتى بعض المحسوبين منهم على الإسلاميين - يسارعون إلى ترتيبات تجعلهم جزءاً من المخططات الرامية إلى مزيد من تفتيت الكيان الإسلامي.

إن دولة شيعية جديدة في العراق ستكون صنيعة أمريكية صهيونية، ذات تبعية ومرجعية إيرانية، ولا تعارض بين تلك المواقف ما دام أهل الإسلام الصحيح هم الهدف. فالبرلمان العراقي - ذو الغالبية الشيعية والمصنوع على عين أمريكا - هو الذي أقرَّ في 10/1/2006م قانوناً بتشكيل الأقاليم على أساس طائفي، بزعم الاستجابة لرغبات غالبية السكان. وقد صرَّح (عبد العزيز الحكيم) بعد إقرار ذلك القانون بأن بوسع أي محافظة عراقية من الآن أن تتقدم بطلب لتأسيس إقليم، بعد عام ونصف من إقراره »!

ولما زار (عبد العزيز الحكيم) واشنطن والتقى (جورج بوش) في شهر ديسمبر 2006م؛ كان أول تصريح أطلقه هناك هو أنه لا يريد من الجيش الأمريكي أن يخرج من العراق قبل أن يكمل مهماته، وطالب الحكومة الأمريكية باتخاذ إجراءات أشد قوة ضدَّ من سمَّاهم: الصداميين والإرهابيين؛ يعني: السُّنة!

ولما زار ابنه (عمار الحكيم) واشنطن في شهر أكتوبر؛ التقى (جوزيف بايدن) صاحب مشروع قرار التقسيم الذي أقرَّه الكونجرس وحسب ما قال جهاد الخازن في صحيفة الحياة يوم 6/10/2007م فإن عمار الحكيم عرض عليه « عقد مشروع تحالف شيعي أمريكي ضد السنة في العراق والمنطقة »! وهكذا تتواصل جهود زعماء (مجلس الثورة الإسلامية) في العراق؛ للكيد لأهل السنة، من المؤسِّس باقر (الحكيم) وحتى حفيده عمار (اللئيم)!

يذكر هنا أن ما يسمى (مؤسسة شهيد المحراب) [1] قد وزَّعت خريطة تبين التصور الشيعي لعراق ما بعد التقسيم، وكانت هيئة علماء المسلمين في العراق قد نشرت على موقعها في منتصف رمضان الماضي خريطة مشابهة لتقسيم العراق نقلتها عن صحيفة إيطالية وثيقةِ الصلة بمراكز أمريكية.

الشيعة أقروا التقسيم من خلال غالبيتهم في البرلمان العراقي ولم يعترض على ذلك القانون إلا نواب من العرب السنة، الذين كان التحاقهم بهذا البرلمان إضفاءً للشرعية عليه، حتى صارت مقرراته واجبة التنفيذ، لكن الغريب أن ذلك البرلمان المزيف نفسه وعلى طريقة (الضرر والضرورة) رفض في « تَقِيَّة » فاضحة مشروعَ قرار التقسيم الذي تقدم به الكونجرس الأمريكي، ويبدو أنه كان ينتظر صدوره من (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في إيران)!

من العجيب أيضاً أن حزب (الحكيم) الذي كان يسمى بـ (المجلس الأعلى للثورة العراقية)، والذي أنهى ثورته بعد نجاح الاحتلال، وغيَّر اسمه إلى ( المجلس الأعلى الإسلامي) أظهر أيضاً رفضه لمشروع القرار الأمريكي، مدعياً أن دعوته للتقسيم الفيدرالي تختلف عن الدعوة « المضرة » التي تبنَّاها الكونجرس، حيث إنها في نظره سوف (تكرِّس الطائفية)!

وتقف بقية الفصائل الشيعية على مسافات قريبة من مخطط التقسيم رغم ادعائها معارضته، حتى عصابات الضلالة المسماة بـ (جيش المهدي) بزعامة المقتدى في الشر تخط بسكاكينها الدموية منذ بدء الاحتلال معالمَ تلك الخطة اليهودية الأمريكية الإيرانية، إلى درجة أن مناطق واسعة من العاصمة بغداد قد نجحت فرق الموت الشيعية بزعامته في إفراغها من أهلها السنة تحت تهديد وتنفيذ عمليات الذبح والحرق!

* الأكراد والتقسيم:

الأكراد جزء أَبيٌّ من الأمة الإسلامية، وقد كانت لهم عبر التاريخ صولات وجولات ضد أعداء الدين، ويكفيهم في ذلك فخراً أن الله أخرج منهم القائد البطل صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله.

لكن العَلْمانية اللادينية مسخت فريقاً منهم مثلما مسخت من غيرهم من عناصر الأمة الإسلامية، حتى صار الانتساب للعِرْق عندهم مقدَّماً على الانتساب للعقيدة. وفي العراق قاد العَلْمانيون الأكراد حركة تمرد تنادي بالانفصال عن العرب، تولَّى كبرها زعماء وعملاء يخلف بعضهم بعضاً، حتى كان آخرهم العدوّان اللّدودان الشيوعيان سابقاً اللذَان أصبحا (ديمقراطيَيْن) أمريكيَيْن لاحقاً: (جلال الدين الطالباني) زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي أصبح رئيساً لجمهورية العراق في ظل الاحتلال الأمريكي، و (مسعود البرزاني) رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني و « رئيس » إقليم كردستان في شمال العراق..

وللزعيمَيْن العَلْمانيَيْن علاقتهما المكشوفة منذ زمن مع اليهود والأمريكيين، حيث يلعب بهم هؤلاء على أوتار التمرد والانفصال؛ كي يشجعوا غيرهم في البلدان المجاورة على تمردات أخرى لا تمنح الاستقلال بقدر ما تخدم مشاريع الاحتلال.

زعماء الأكراد في أرض الرافدين أصبحوا في ظل العَلْمانية عِرْقيين لا عراقيين، وهيامهم بالعنصرية الكردية أصبح مثار سخرية، مع أن الله شرَّفهم لو أرادوا بما هو أكرم وأعظم وهو الإسلام الذي لا تزال الغالبية الكردية وفيَّة له، مستقيمة عليه، لكن في غياب أو ضعف القادة الإسلاميين العظام في الصف الكردي خرج الأقزام المتعملقون من أولئك العَلْمانيين.

ما جرى في شمال العراق مؤخراً في أواخر أكتوبر من عام 2007م من تمرّد حزب العمال الكردستاني في تركيا ضد الدولة التركية منطلقاً من الأرض الكردية العراقية؛ مثالٌ واضح لما يراد من دور للأكراد. والأحداث التي وقعت لا تبعد كثيراً عن جوِّ التقسيم، لا في العراق وحده، بل في تركيا نفسها، التي يبدو أن الغربيين استكثروا عليها نوعاً من الاستقرار والازدهار النسبي في ظل إقبال الناس على حكومة (أردوغان) التي تحاول أن تكون حكومة غير عَلْمانية. (مسعود البرزاني) اهتبلها فرصة ليتصرف كزعيم دولة مستقلة وذات سيادة، فأطلق التصريحات والتحذيرات بأن كردستان العراق ستدافع عن نفسها في حال هجوم تركيا عليها مع رفضه تسليم زعماء التمرد، مع أن الأكراد الأتراك الذين يؤويهم هو والطالباني هم الذين بدؤوا بالمناوشات والاستفزازات التي لا تُؤمَن عواقبها.

إن كل هذا يؤكد أن تداعيات تقسيم العراق قد بدأت قبل أن يُعلَن التقسيم رسمياً. وعندما أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قراره بتقسيم العراق لم يشأ ( رئيس العراق) أن يكون مثل الرافضة في الرفض الظاهري، بل تبجَّح وهو الرئيس لكل العراقيين بمدح القرار الذي يدعو إلى تبنِّي تقسيم العراقيين، وقد أصدر بياناً باسم (رئاسة إقليم كردستان) جاء فيه: « إذا تعاملنا نحن أبناء العراق مع الواقع العراقي، ومع الدستور العراقي؛ فإننا نرى أن مجلس الشيوخ الأمريكي لم يقم بعمل يتناقض مع الدستور العراقي »! وقال جلال الطالباني في حديث لقناة ( الحرة) الأمريكية: « مشروع الكونجرس لا يتضمن إلا ما يعزز الوحدة الوطنية، ومعارضوه عاطفيون.. لم يتمعَّنوا في تفاصيل المشروع ».

ستظل دولة الأكراد العَلْمانية في حال قيامها رأس حربة تقاتل باسم الصهاينة والأمريكيين؛ فالعلاقة بين قادة هذه الدولة وبين دولة اليهود تعدَّت مرحلة الصداقة العمياء إلى الحماقة البلهاء، حيث فضّلوا العلاقة معهم على العلاقة مع العرب والمسلمين، متعالين عليهم، متكبرين بعنصرهم. وقواتهم المسلَّحة التي تتلقى تدريبها وتسليحها من دولة اليهود مباشرة ستظل عنصر قلق وأرق بالوكالة أو الأصالة ضد الأتراك والسوريين والعراقيين وحتى الإيرانيين!

* العرب السُّنة والتقسيم:

ربما يكون العرب السنة وحدهم هم المتفردون برفض التقسيم ظاهراً وباطناً، تضرراً أو ضرورة، ليس فقط لأنهم المتضرر الأكبر من ذلك التقسيم، ولكن لأنهم أقرب إلى ضمير الأمة وأدنى لوسطية الإسلام التي يمثلها منهج أهل السنة، حيث إن قواعد العقيدة ومقاصد الشريعة ترفضان أن تتفرق الأمة باسم الطوائف والعصبيات والعنصريات التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنتن، وقال عنها: « دعوها فإنها منتنة » [2].

فما مواقف وأحوال أهل السنة العرب من ذلك المخطط المشؤوم؟ وما مسؤولياتهم تجاهه؟

هذا ما سيكون موضوع مقالة قادمة بإذن الله تعالى.

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)


 (1) أسسها (محمد باقر الحكيم)، زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (الشيعية) في العراق، وبعد مقتله عام 2003م غُيّر اسمها ليكون (مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي)، وترأسها حفيده (عمار الحكيم) الابن الأبرز لعبد العزيز الحكيم.

(2) أخرجه البخاري (4905)، و مسلم (2584).