كتب

قبل أن يُهدم الأقصى

date

السبت 20 شوّال 1443هـ 21 مايو 2022مـ


الحلقة الأولى

*** ماذا لو هدم الأقصى ***

هذه الحلقات تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن الميلادي الذي أوشك على الانتهاء ولا يفصل بيننا وبين العام 2000 للميلاد سوى شهور معدودة، ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا وذلك كلما اقترب الوقت من عام 2000 وما بعده وهي قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل ؟

وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر وتحليل أسبابها ودوافعها ورصد التوقعات المنتظرة بسببها يتم نشرها –إن شاء الله- في حلقات منفصلة.

هناك شواهد عديدة تدل على أن قضية المسجد الأقصى ستكون نقطة المركز وبؤرة الاهتمام في العديد من القضايا الدينية وما يترتب عليها من نشاطات سياسية وعسكرية في منطقة الشرق الأوسط وليس هذا من قبيل الأمور المؤجلة إلى مدى بعيد بل إن هذا الاهتمام سيفرض نفسه في المستقبل القريب المنظور أي كلما اقترب الزمان من العام 2000 لميلاد المسيح عليه السلام. وهذا الاهتمام أو الانشغال بل الانهماك بأمر المسجد الأقصى لن يكون على مستوى سكان الأرض المقدسة وحدهم بل ستتسع دائرته لتشكل محيطاً يلف مئات الملايين من سكان العالم مسلمين ونصارى ويهود!.

هل هذه مبالغة؟! لا بل هي الحقائق التي لا ينبغي أن نهملها أو نتجاهلها وتدل عليها الأسباب الآتية:

أولاً: اليهود في العالم وليس في إسرائيل فقط يسابقون عقارب الساعة الآن لهدم المسجد الأقصى قبل أن يحل العام 2000 الذي يصادف عندهم ذكرى مرور ثلاثة آلاف عام على بناء مدينة القدس وتأسيس مملكة إسرائيل الأولى وعندما تحل هذه الذكرى تكون دورة الزمان قد اكتملت عندهم ليبدأ زمان جديد تشير إليه توراتهم وهو زمان الهيمنة اليهودية ولن يكون لهذه الهيمنة أي صفة مع استمرار غياب قبلة اليهود التي هدمت قبل ألفى عام (هيكل سليمان) الذي انطلقت منه دعوات كل أنبياء بني إسرائيل والذي ستنطلق منه كما يعتقدون دعوة نبي اليهود المنتظر الذي يعتقدون أن بناء الهيكل سيُعجِّل خروجه !.

ثانياً: ملايين النصارى في العالم يتزايد الاعتقاد بينهم بفعل الجماعات (الأصولية) النصرانية بأن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام على وشك العودة مع بدء الألفية الثالثة وهم يعتقدون أيضا أن الهيكل سيكون منطلقاً لدعوته في المرة الثانية كما كان شأنه في المرة الأولى فهكذا يفهمون الإنجيل وهكذا يفسرون التوراة التي يؤمنون بها مع الإنجيل.

ثالثاً: أما المسلمون وهم يبلغون أكثر من ربع سكان العالم فلن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون معاول الحقد اليهودي تمتد إلى المكان المقدس الثالث عندهم الذي صفت فيه قدما نبيهم s وهو يصلي بجميع الأنبياء في ليلة الإسراء.

ومن جهة أخرى فإن الجو المُكْفَهِرّ بالأحداث التي ستبدوا جِساماً سيحرك في الناس روحاً من اليقظة المنفعلة والمندفعة بالعواطف والمستندة في الوقت ذاته إلى البحث في المجهولات والغيبيات عن تفسير لما يحدث من وجهة نظر إسلامية لتحشد على أساسه طاقات متحفزة للذود عن الذات والهوية.

لكل هذا فالمتصور أن هناك حلبة صراع حقيقية وعالميه يمكن أن تنصب على ساحات الأرض المقدسة إذا ما أقدم اليهود بممالأة من النصارى على تنفيذ أكبر حدث يمكن أن يختم به القرن العشرون وهو: هدم المسجد الأقصى وهو حدث يعترف اليهود أنفسهم بأنه سيكون بوابة لأحداث كبرى يمكن أن تفتح أمامهم صراعات لا يعرفون لها مدى.

هل هذه أساطير؟

سيقول قوم: هذه أساطير تعشش في أدمغة طوائف محدودة من غلاة النصارى وعتاة اليهود، نقول: نعم هي أساطير ولكن من قال: إن الكفار من أهل الكتاب تخلوا عن الأساطير قديماً أو حديثاً واليهود بوجه خاص: هل وصلوا إلى ما وصلوا إليه من العلوّ في الأرض إلا بدفع نفسي قوي من وحي الأساطير التي ترجمت إلى برامج للعمل وخطط للتحرك ؟! (دولة إسرائيل) كانت أسطورة وعاصمتها كانت أسطورة وقوتها وجيشها بُنِيا على أُسس من وحي الأساطير بل إن خطوات اليهود الوئيدة للسيطرة على العالم من خلال السيطرة على أعظم قوة فيه لا تحركها إلا الأساطير ولكن هناك فرق بين من يتحرك بالأساطير إلى عالم الحقيقة ومن يتهرب من الحقائق إلى عالم الأساطير.

الأمر جاد والنوايا مبيتة والخطوات تتسارع رغم سيرها على درب الأساطير وعلى المسلمين أن يعوا أن هدم المسجد الأقصى صار عند يهود العالم فريضة الوقت ومسؤولية الجيل وهو فرصة العمر السانحة لأول مرة في التاريخ منذ ألفي عام.


 

فما الذي يجب علينا فعله؟ وقبل ذلك ما الذي يجب علينا فهمه؟

لتجلية خلفيات هذا الأمر فإن هناك أسئلة لا بد من طرحها ولا مناص من الإجابة عليها ومصارحة النفس بها:

هل يمكن أن ينجح اليهود في هدم المسجد الأقصى فعلا؟! وماذا لو هُدم ؟! وما هو واجب المسلمين حتى لا يقع المحذور ؟! وما هو المتوقع من الأعداء لو نُفذت المؤامرة ؟! وهل يمكن أن يتراجع اليهود عن تحقيق هذا الهدف ؟! أسئلة ينبغى التحضير لها من الآن قبل أن تفجؤنا الحوادث ويتجاوزنا الزمان.

أولاً: هل يمكن أن ينجح اليهود فعلاً في هدم المسجد الأقصى؟

ليس بين أيدينا نص معصوم يدل على أن هدم المسجد الأقصى ممتنع قدراً؟ وليس شرطاً أن ترد أحاديث الفتن بكل ما يقع منها فكثير من الحوادث الجسام وقعت دون أن تذكر في آية أو ترد في حديث وبعضها أخبر عنه النبي s ولكن حَفِظَ ذلك من حفظه ونَسِيَهُ من نَسِيَه.

إن الكعبة نفسها قد هُدمت من قبل في زمن الحجاج دون أن يكون لذلك ذكر في محكم آية أو نص حديث والحجر الأسود قد نُزع من الكعبة في زمن القرامطة ونقل إلى البحرين ليظل هناك سنين عدداً قبل أن يعاد و لم تأت الإشارة إلى ذلك في كتاب ولا سنة إذا فليس لأحدٍ أن يحتج بعدم الورود على عدم الوقوع لأن الأمر قد يسطر في القدر ولا يذكر في الكتب. والذي يحكم الأمور عند ذلك هو قانون الأسباب والمسببات الذي يجري به قدر الله مما يشاء وقوعه وعلى حسب مجريات الأمور المشاهدة فإنها شاهدة بدأب اليهود وأخذهم بكل الأسباب في الوقت الذي يريد المسلمون فيه أن يعطلوا قانون الأسباب وفي ظل ذلك لا نظن أن سنن الله تعالى ستحابي أحداً فماذا فعل المسلمون في العالم كله وهم يبلغون ملياراً أو يزيد؟ ماذا فعلوا عبر ما يزيد على ثلاثين عاماً لكي يستنقذوا مقدساتهم من عصابة الملايين الأربعة التي زرعت نفسها بينهم ثم فرضت وجودها عليهم؟ إن قدر الأسباب لن يحابينا ونحن نجافيه إلا إذا أراد الله أمراً فقدر بسببه شأناً إلهياً محضاً ينقذ المسجد ويعطل أسباب الكيد ضده كما رد الله أصحاب الفيل عن هدم الكعبة قبل الإسلام . . . ولكن المشكلة أن هذا أيضاً أمر لم يأتِ به خبر معصوم فيتكئ عليه المتكئون.

ثانياً: ماذا لو هُدم الأقصى ؟

أتصور أن فئاماً من الناس سيُفتنون لو وقع الحدث وسيقولون: كيف هذا والمسجد الأقصى قد نزل بشأنه القرآن وتواترت بفضله الأحاديث كيف يتحول إلى معبد يهودي ؟ وينبغي أن يقال لهؤلاء: إن المسجد الأقصى قد مرت عليه السنون في مراحل من التاريخ وصلبان النصارى مرفوعة فوق مآذنه أيام كان الاحتلال الصليبي وقد كان مسجداً إذ ذلك ولم تنتفي عنه صفته الشرعية ولا خصوصياته المسجدية؛ والذي أصابه لم يتعد التلوث بأوضار التثليث ثم عاد لأهل التوحيد عزيزاً مطهراً لما عادوا إلى التوحيد.

فلا بد أن يعلم أن أرض المسجد مقدسة ولها أحكامها الشرعية من حيث مضاعفة أجور الصلوات فيها واستحباب شد الرحال إليها سواء أكان البناء موجوداً أو غير موجود فالساحة نفسها سميت مسجداً وقت تنزل القرآن بآيات الإسراء، ولم يكن ثمة مسجد مقام. إن المكان أخذ حكم المسجد قبل أن يبنى مسجداً في الإسلام وصلى فيه إمام الأنبياء بأولي العزم من الأنبياء في أرض فضاء فحقائق التاريخ وقصص الأنبياء تدل على أن المسجد الأقصى لم يُبنَ مرة أخرى بعد هدمه الثاني بُعَيْدَ زمان عيسى عليه السلام حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام ولما تم الفتح جاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه كعب الأحبار رضي الله عنهما ليدله على موضع مصلى داود عليه السلام ثم بنى هناك مسجداً متواضعاً من خشب.

فلما جاء عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك أعاد بناءه على الهيئة التي هو عليها الآن وقد حافظ المسلمون على مر العصور على هذه الأمانة حتى جاء عصر تضييع الأمانة الذي نعيشه فوقع المسجد في الأسر وها هو يتهدد بالهدم.

وهنا أمر تنبغي الإشارة إليه وهو ما ورد في الحديث الصحيح بشأن منع الدجال من دخول المساجد الأربعة منها المسجد الأقصى وذلك في قوله s: ((وعلامته: يمكث في الأرض أربعين صباحاً يبلغ سلطانه كل منهل لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة ومسجد الرسول والمسجد الأقصى والطور)).

وهذا يحتمل أن يظل المسجد كما هو بحفظ الله وحده أو أنه سيعاد كما كان إذا أصابه مكروه -لا قدر الله- أو أن المراد بالمسجد أرض المسجد كما في آية الإسراء.

ثالثاً: ما الواجب على المسلمين حتى يعذروا إلى الله ؟

 لا أبالغ إن قلت: إن الفتاوى بذلك قد أخذت أكبر حيز من الإجماع في الفتاوى السياسية بين علماء المسلمين في العام منذ أن قدم اليهود إلى القدس فقد بحت أصوات العلماء بالنداء لإنقاذ المسجد الأقصى ولكن كم أضاع المنافقون فرصاً لجمع الأمة وتجييشها ضد عدوها المصيري لتقاتله في سبيل الله تحضا راية القرآن الخالد كما قاتلها هذا العدو في سبيل الشيطان تحت راية التوراة المحرفة.

والذي يمكن أن يقال الآن للمسلمين خاصة وعامة أن يتخففوا من الإثم الواقع عليهم بتدارك الأمر في حدود المستطاع وهو كثير لعل الله تعالى أن يبارك في تلك الجهود ويقمع كيد اليهود فدعم الحركات الجهادية الإسلامية في فلسطين هو البداية المستطاعة الآن حتى يأذن الله بأن تدب روح الغيرة في عروق كثير ممن ولاهم الله أمر هذه الأمة المبتلاة.

رابعاً: ما هو المتوقع إن وقع المحذور ؟

المتوقع أن يبدأ اليهود فوراً في الخطوات العملية المعدة سلفاً في مشروع البناء بل الإسراع في الانتهاء من إقامة المعبد اليهودي مكان المسجد الإسلامي ويخطئ من يظن أن اليهود ينتظرون الأقدار مثلنا حتى تتحفهم بحدث سعيد يعيد مجداً ويقيم ملكاً لا … إن اليهود يغالبون السنن وكأنهم يريدون أن يصنعوا الأقدار صنعاً ويستخرجوها استخراجاً من مكنون الغيب ومستور القضاء لهذا تراهم لا يتعاملون مع الأمور بقدريتنا نحن ولا يتركون شيئاً للمصادفات.

ويشار هنا إلى أنهم قد بدأوا بالفعل في تهيئة الظروف على أرض الواقع تحسباً للحظة المناسبة، ففيما يتعلق بأمر بالمسجد الأقصى خاصة فإن الدلائل تتكاثر على تعاظم الجدية لديهم في الإقدام على مشروع الهدم وما بعده وهذه أبرز الشواهد على ذلك: تضاعف أعداد التنظيمات والجماعات الساعية والمتعاونة للهدم ثم البناء. في الأرض المغتصبة الآن (120) جماعة تصنف في داخل إسرائيل نفسها بأنها متطرفة ومن هذه الجماعات ما لا يقل عن خمسة وعشرين جماعة متخصصة في المساعي الرامية لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل.

وتشكل بعض هذه الجماعات تحالفات فيما بينها ومن أبرزها ما يسمى: (رابطة القدس) التي تضم عدداً من التجمعات اليهودية المتشددة وكانت هذه الرابطة هي السبب في إقناع بنيامين نتنياهو بافتتاح النفق المار تحت أساسات المسجد الأقصى عام 1417ه‍ = 1996م، وتظهر استجابة نتنياهو لمطالب تلك الجماعات استعداده للمضي قُدُماً في تنفيذ ما تراه الجماعات الدينية واجباً.

وبات من المعروف أن تلك الجماعات لا تكتفي بالمطالب والمناشدات بل تلجأ بين الحين والآخر للقيام بأعمال عدائية واستفزازية ضد المسجد الأقصى يغلب على الظن أنها تريد بها جس النبض لردود الأفعال التي يمكن أن تحدث لو قامت بالعمل الأخير.

وقد قامت تلك الجماعات منذ عام 1967م الذي احتل اليهود فيه القدس وحتى العام 1990م بأكثر من أربعين عملاً عدائياً ضد المسجد الأقصى وقد يُظن أن ما يسمى ب‍ (عمليات السلام) بعد هذا التاريخ قد خففت من حدة المشاعر اليهودية العدائية تجاه جيرانهم العرب (المسالمين) ولكن الحقيقة أن هذا الوهم تكذبه الوقائع فمنذ أن أبرمت اتفاقيات مدريد وأوسلو وأعمال الاعتداء تزداد وتيرتها حتى بلغت قريباً من مئة محاولة منها (72) محاولة منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى منتصف عام 1998م.

لقد بدأت الصحف العالمية والإسرائيلية ترصد تلك الظاهرة التي تتحول مع مرور الوقت إلى نمط عنيف متعجل متعجرف لا يريد أن يتوقف فكشفت مجلة فورن ريبورت البريطانية في الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول عام 1998م أن جهاز الشاباك الإسرائيلى لديه معلومات وثيقة بأن المتعصبين اليهود المنخرطين في تنظيمات سرية يدبرون لاعتداءات قريبة ونهائية على المسجد الأقصى.

ونشرت جريدة (معاريف) الإسرائيلية في 30/8/1998 مقالاً بعنوان: (نقاش طارئ تحسباً لتفجير المسجد الأقصى) جاء فيه: (يجري نقاش طارئ حول تحذيرات من الاعتداء على المسجد الأقصى يشارك فيه رئيس الوزراء وكبار قادة الدولة وجاء اللقاء على أثر أنباء قوية عن احتمالات وقوع مصادمات بين الإسلاميين الفلسطينيين ومتشددين يهود في ساحة المسجد الأقصى تنتهي بعواقب وخيمة).

والسعار اليهودي المتلهف نحو هدم الأقصى ليس مقصوراً على يهود إسرائيليين ولا حتى يهود من الخارج بل إن نصارى متدينين أيضاً يقدمون من خارج إسرائيل للمشاركة في هذه المساعي الحقيقية والخبيثة ومن ذلك ما أفادت به صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية في عددها الصادر في 3/9/1998 أن السلطات الإسرائيلية ألقت القبض على سائحَين إيطاليَين نصرانيَين قدما لإسرائيل لتنفيذ مهمة مقدسة في المدينة الأبية قبل أن تبدأ الألفية الثالثة !

وقد نشرت جريدة الحياة في 24/11/1998 أن اللجنة الوزارية لشؤون القدس التي يرأسها بنيامين نتنياهو بحثت الأخطار المتزايدة التي قد تنجم عن شن المتطرفين اليهود هجمات على المساجد الإسلامية وإمكان اعتداء متشددين مسيحيين على المسجد الأقصى ومسجد الصخرة بمناسبة انتهاء الألفية الثانية وقال (يائير يتسحاقي) قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس: إن أعضاء من طائفة مسيحية من (دينفر) يطلق عليها: (المسيحيون الجادون) وصلوا إلى إسرائيل بعد أن باعوا مقتنياتهم في بلادهم متوجهين إلى إسرائيل لتنفيذ أوامر من زعيمهم (مونت ميلر) الذي أعلن أنه سيموت في القدس قريباً جداً !!

وأشار الوزير الإسرائيلي إلى أن الحكومة الإسرائيلية بدأت تتعامل مع نشاطات مثل تلك الجماعات التي تكثف نشاطها مع اقتراب العام 2000 . وقد شكل جهاز الشاباك الإسرائيلي الأمن الداخلي في الفترة الأخيرة قسماً خاصاً يعكف على العمل ليحول دون وصول التنظيمات السرية اليهودية إلى تحقيق مرادها في هدم الأقصى في وقت غير مناسب قد تحرج الدولة اليهودية وفي هذا الشأن كتب الصحفي الإسرائيلي (يوسي ليفي) مقالاً في صحيفة معاريف في 29/8/1998 جاء فيه: (القاعدة التحتية للتنظيمات المتشددة موجودة حسب تقديرات قوات الأمن والمعلومات التي بحوزتها تقول إن الاتصالات بينها تتم بالوسائل والطرق السرية والتنسيق بينها موجود والمشكلة القوية التي تواجه أجهزة الأمن هى التغلغل في هذه المجموعات لأنها مجموعات ذات معتقدات أيديولوجية متعصبة مرتبطة بعواطف دينية حادة بحيث يعرف كل واحد من أعضائها الآخر مما لا يسمح باختراقها.

الحكومة الإسرائيلية تريد إذن أن تستخدم تلك الجماعات بتوازن دقيق فهي لا تخالفها في الهدف ولكن ربما تخالفها في الوسائل والبدائل وأوقات التنفيذ.

لكن كل هذا لا يخفى مباركتها واحتضانها لهذه الجماعات التي يمكن أن توفر لها مخرجاً لإعداد (سيناريوهات) للتنفيذ عند اللحظة المناسبة بحيث تتخفى وراءهم وكأن الأمر قد خرج من يدها.

وهناك إشارات متفرقة تخرج من إسرائيل في الآونة الأخيرة تحاول أن تمهد نفسياً لإمكانية حصول شكل من أشكال تلك السيناريوهات. فقد نشرت جريدة (معاريف) في أغسطس/آب 1998م مقالاً بعنوان: (ثلاثة احتمالات للتهديدات) ذكرت فيه أن القيام بعمل ضد الأماكن الإسلامية قد يأخذ أحد الأشكال الثلاثة الآتية:

  1. انتفاضة شعبية عارمة من مئات ألوف المتطرفين حيث يقومون بسلسلة عمليات شغب عنيفة لإشاعة جو من الفوضى يتم خلاله تنفيذ ما يريدون.
  2. قد يقوم متطرف يهودي واحد دون شركاء وبدون مساندة أو إعداد سابق بهذا العمل مثل ما قام به (عامير) في قتل رابين أو باروخ جولد شتاين في مذبحة المسجد الإبراهيمى.
  3. قد تقوم مجموعة من الأشخاص في خلية سرية بتوجيه ضربتها مستخدمة القنابل أو الصواريخ.

وقد نشرت جريدة (يديعوت أحرونوت) في عددها الصادر في 1/9/1998 خبراً بعنوان: (يهودي مجنون قد ينسف الأقصى أو قبة الصخرة) وجاء في الخبر: (يخشى قادة الشاباك) (جهاز الأمن) أن يقوم متطرف من (اليمين الإسرائيلي) بالاعتداء على المسجد الأقصى أو قبة الصخرة بهدف الإجهاز على العملية السلمية نهائياً. وتذكر الصحيفة أن سيناريو الاعتداء عُرض على رئيس الوزراء نتنياهو في اجتماع حضره وزير العدل والأمن الداخلي والمالية إضافة إلى رئيس بلدية القدس ورئيس جهاز الشاباك والمفتش العام للشرطة وأعربت الصحيفة عن تخوفها من أن يؤدي الاعتداء على المسجد الأقصى أو قبة الصخرة إلى إحراق المنطقة كلها. وهناك سيناريو رابع أضيفه من خلال متابعتي للموضوع وهو إمعان اليهود في المزيد من إضعاف أساسات المسجد وتفريغ الأرض من تحته ثم الادعاء عند أي هزة أرضية طبيعية أو صناعية أن المسجد هدم قضاءً وقدراً وهنا تعفى الحكومة الإسرائيلية نفسها وتعفى المنظمات الدينية من مسؤولية الهدم لتتفرغ للبناء. وأيا كان الأمر فالسلطة في إسرائيل ليست أقل حرصا من التنظيمات الدينية السرية والعلنية في الإسراع بهدم الأقصى والصخرة ثم بناء الهيكل على أنقاضهما وهذا الحرص يصل إلى أعلى مستويات المسؤولية في الحكومات المتعاقبة، فمنذ أن قال (بن جوريون) القولة المشهورة ورددها بعده مناحيم بيجن: (لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل) منذ أن قيل ذلك والمسؤولون الإسرائيليون يدلون بالقول والفعل على أن هذه قناعة ثابتة لدى الجميع داخل إسرائيل وقد اختص بنيامين نتنياهو بمزيد من التميز في هذا الجانب ففي عهده المأفون وللمرة الأولى انعقد في القدس المؤتمر السنوي السابع لرابطة إعادة بناء الهيكل بمباركة ومشاركة حكومية والرابطة تضم عشر منظمات كبرى اشتركت في تنظيم المؤتمر الذي عقد في 17/9/1998 وضم آلافاً من اليهود المتدينين من منظمات أخرى يجمعهم قاطبة أنهم أعضاء في منظمات يهودية سرية وعلنية تدعو جهاراً إلى التعجيل بهدم الأقصى وبناء الهيكل. وتقدر الأوساط الإسرائيلية عدد من حضروا المؤتمر بسبعة آلاف يهودي.

وكان الهدف من المؤتمر الذي شاركت فيه شخصيات حكومية هو تقسيم المهام من أجل الهدف الذي جعلوه عنواناً للرابطة وهو: (إعادة بناء الهيكل) وقد ألقى نائب وزير المعارف الإسرائيلي (موشى بيلد) كلمة أشاد فيها بالحضور وخاطب المؤتمرين قائلا: (أدعوكم إلى مواصلة نشر قيم الهيكل وقيم التراث والثقافة اليهودية بين شباب إسرائيل في كافة مراحل التعليم) وأردف قائلا: (إن الهيكل هو قلب الشعب اليهودي وروحه) ثم قام زعيم منظمة (قائم حي) ليتحدث عن المشاركين فقال: إننا نرى دعماً رسمياً ونأمل بأن يسهم في إعطاء انطلاقة جديدة لقضية إعادة بناء المعبد اليهودي في القدس) (الحياة 17/9/1998).

الخطوات الحكومية الممهدة لتنفيذ المؤامرة:

إذا كانت المنظمات تحمل كل هذا الحماس للتحرك العملي من أجل خدمة المشروع الذي يمثل رمز الوجود اليهودي فما بالنا بالدور الذي يمكن أن تقوم به الدولة نفسها وهى التي يحمل علمها هذا الرمز (النجمة السداسية)؟!. 

لا شك أن لها دورا يليق بكونها دولة وسلطة فهناك أدوار لا تستطيع المنظمات منفردة ولا مجتمعة أن تقوم بها بل لا بد من قيام الدولة بالدور الأساس فيها والذي يظهر من السلوك العام للحكومة أنها تقسم المشروع إلى قسمين: قسم للتحضير وهو يتناول عمليات الإعداد السابقة لبناء الهيكل بما فيها هدم المسجدين وهذا القسم تتركه لتلك الجماعات والمنظمات المتعصبة والنشيطة، وقسم آخر لمرحلة التنفيذ بما تتضمنه من الشروع في البناء ذاته وتأمين ما يحتاجه من مشاريع وتكاليف ومنشآت وطرق وأنفاق وموظفين وإجراءات نظامية … الخ. وهناك أمر مهم آخر وهو: تأمين المرحلة بمعنى توفير العامل الأمني لتلك المنظمات مجتمعة لكي تقوم بأدوارها التي لن يقوم بها غيرها في التحضير لمرحلة البناء وما بعد البناء ليتم ذلك في أسرع وقت دون معوقات.

ونشير هنا إلى بعض الإجراءات الحكومية الإسرائيلية التي لها دلالتها البالغة في الإشارة إلى الدور الذي تضطلع به الحكومة الإسرائيلية في المؤامرة الكبرى:

أولاً: الحفريات تحت المسجد الأقصى

وقد قطعت الحكومة الإسرائيلية فيها عشر مراحل وهذه المراحل العشر استغرقت المدة منذ عام 1967 وحتى نهاية 1980 ولا تزال أعمال الحفريات تجري بطرق أخرى إلى وقتنا هذا وهي تستهدف الوصول إلى غاية من أخبث الغايات التآمرية على المسجد الأقصى ولا تستطيع المنظمات اليهودية كلها أن تقوم بها وهى: تفريغ الأرض تحت المسجد الأقصى ومسجد الصخرة لترك المسجدين قائمين على فراغ ليكونا عرضة للانهيار السريع بفعل أي عمل تخريبي أو حتى اهتزازات أرضية طبيعية أو صناعية كما سبقت الإشارة إليه وهم بطبيعة الحال لا يُظهرون هذا الهدف ولكن الهدف المعلن دائماً هو الكشف عن آثار باقية للهيكل الثاني الذي دمر عام (70) للميلاد وقد سمحت الحكومة الإسرائيلية خلال عامي 1995،1996 لمؤسستين إسرائيليتين وهما: (شركة الآثار الإسرائيلية) و(شركة تطوير القدس) بإجراء المزيد من الحفريات.

ثانياً: شق الأنفاق

وهي عمليات تشترك مع عمليات الحفريات في أنها تهدد أساسات المسجد الأقصى في المرحلة الحالية وتسهل أو تكمل مشروع بناء الهيكل في المراحل التالية.

وكانت قصة الافتتاح الرسمي لنفق (الحشمو نائيم) في سبتمبر/أيلول عام 1996 بمثابة لفت نظر لتبني الدولة العبرية لمثل هذه المشروعات. وكان افتتاح النفق في ذلك الوقت إشارة إلى بدء الاجراء العملي (الرسمي) لتحويل المسجد الأقصى إلى معبد يهودي، فبعد أن اكتمل النفق بطول أربعمائة متر في فترة عمل سري افتتحه عمدة القدس (تيدي كوليك) رسمياً في احتفال علني وهذا الافتتاح الرسمي أرادت به الحكومة الإسرائيلية أن تلقي برسالة مفادها أن اليهود أصبحوا شركاء في ساحات الأقصى فالأنفاق تجري من تحتها وبداخلها مساحات تصلح لأن تكون كنيساً مؤقتاً يقيم فيه الراغبون من اليهود صلواتهم (في الدور الأسفل) ريثما يتاح الانتقال إلى الأدوار العليا. وقد وضعت الحكومة الإسرائيلية لوحات إلكترونية داخل النفق تظهر البلدة القديمة للقدس بدون المسجد الأقصى أو مسجد الصخرة ويظهر مكانهما الهيكل اليهودي وسط طابع معماري جديد للمدينة تغلب عليه الصبغة اليهودية وأرادت حكومة نتنياهو أيضا أن يكون الافتتاح اختباراً تقاس به ردود الأفعال والأقوال العربية والإسلامية إذا ما تم تنفيذ مشاريع أكبر وقد جاءت ردود الأفعال والأقوال مشجعة لليهود حتى إن نتنياهو لم يجد مانعاً من التفاخر علناً بما تم إنجازه مشيداً بعهده الشجاع الذي شهد هذا الافتتاح بعد أن تأخر كثيراً وقال: (إنني فخور جداً ومتأثر جداً فالنفق يمس أساس وجودنا) وهاجم الفلسطينيين الذين اعترضوا على ما حدث بالتظاهرات والهتافات وقال: (السلطة الفلسطينية تتحمل مسؤولية ما يحصل وسنستخدم كل الوسائل المتاحة لوقف الاعتراضات) وفعلاً . . . توقفت الاعتراضات واستأنفت المفاوضات بعدها على كل المسارات، ثم توقفت بعد إصرار اليهود على بناء مستوطنات على جبل أبي غنيم . . . ثم استأنفت حتى جاء الوقت الذي تعاقدت فيه إسرائيل مع المنظمة على تحمل تلك المسؤولية الأمنية كاملة في جريمة كاملة وتسمى (واي بلانتيشن).

ومما يجدر ذكره أن هناك أنفاقاً أخرى لم يعترض عليها يجري الإعداد لها والعمل فيها، والهدف منها أن يأتي وقت تكتمل فيه ممرات وشوارع تحت ساحات الأقصى تسهل التنقل تحته في المراحل القادمة.

ثالثاً: السور العازل بين المسلمين واليهود

اليهود يتهيئون ليوم آت تتأجج فيه المشاعر وتختلط فيه المسائل وينفجر بركان الغضب الذي تكتمه أكذوبة السلام، فقبل اغتيال إسحاق رابين بعام طرح مشروعا رأى أن فيه حلاً نهائياً للفصل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وذلك ببناء سور ضخم يمتد بطول (360) كيلو متراً وارتفاع ثلاثة أمتار يفصل الأراضي الخاضعة لسلطة الحكومة الإسرائيلية والأراضي الواقعة تحت السلطة الفلسطينية وقد هندس للمشروع موشيه شاحاك وزير الشرطة الإسرائيلي ووافق عليه بيريز وقد بدأ تنفيذ المشروع عام 1996م.

والمشروع عند التأمل لا ينفصل عن مجمل مساعي الحكومة الإسرائيلية للتهيؤ لما تخبئه الأيام من صدام حتمي، وبما أن جُلّ الصدامات الشعبية مع اليهود في الأرض المحتلة كان لها والحادي إليها مآذن المسجد الأقصى فماذا يا ترى يمكن أن يحدث لو استهدفت تلك المآذن ذاتها واغتيل المسجد بكامله؟! .

لا بد إذن من استعداد

وقد أعلن في حينه أن السور يهدف إلى منع دخول الفدائيين لتنفيذ عمليات (تخريبية) داخل إسرائيل ولكن الظاهر أن الهدف أكبر وهو تمكين اليهود وحدهم من التخريب دون حسيب أو رقيب. إن المشروع واجه صعوبة في تنفيذه في البداية بسبب ضخامة تكاليفه ولكن وكالعادة لم تقصر الولايات المتحدة حكومة وشعباً في دعم المشروع المريب بل إنها تعهدت بأن يتم تنفيذه كاملاً بتمويل أمريكي خالص وقد أقرت له ميزانية منذ عام 1993 وقدم كلينتون القسط الأول منها (مائة مليون دولار) في زيارته ل‍ِ‍ (إسرائيل) عام 1996 ومولت واشنطن أيضا عمليات تزويد السور ب‍ِ (18) معبراً وطائرات استطلاع بدون طيار تحلق على مدار الليل والنار فوق السور وأجهزة لضبط المتسللين وكشف المتفجرات، والسور تقرر تزويده أيضا ببوابات إلكترونية حديثة تمنع تسرب أي آلة معدنية. وأعلن في الولايات المتحدة عن إرسال معدات تركب في الحيز العرضي للسور مع بالونات عسكرية بها أجهزة رصد تصويرية للحركة على امتداد السور وسيزود الأمريكان إسرائيل أيضا ب‍ِ (206) طائرة هليوكوبتر من النوع الخفيف لمزيد من المراقبة على الساحات المحيطة بالسور وسيؤدي السور الذي سيحول المناطق الفلسطينية إلى معتقل كبير إلى حرمان المسلمين في الأرض المحتلة من مجرد التمتع بالنظر إلى أرض المقدسات من وراء الأفق وسيمكن اليهود من منع المسلمين نهائياً عندما يريدون الوصول إلى المسجد الأقصى في يوم الجمعة أو في غيره.

بعض الواهمين يظن أن السور الذي تدعمه أمريكا يدل على اتجاه إسرائيل نحو الاعتراف بدولة فلسطينية لأنه سيضع فواصل حدودية بينها وبين إسرائيل ولكن شيمون بيريز حمامة السلام النووية بدد هذا الوهم عندما قال: (لن تكون هناك دولة فلسطينية، والسور لا يمثل حدوداً لنا مع هذه الدولة). فماذا يمثل إذن ؟!

إنه يمثل أسطورة خيالية أخرجتها إلى عالم الوجود التكنولوجيا (الأيديولوجية) الجديدة. استمعوا إلى هذه الأسطورة التي تتحول أمامنا إلى واقع:

جاء في كتاب (القابلاه) في شرح التوراة: (توصف القدس ب (الشخيناه) يعني الملكوت الذي سيحكم العالم وستحيط بها المرتفعات حتى لا تصل إليها قوى الظلام وستعلو جدرانها حتى يعود التوازن إلى العالم !.

إذن تحصين القدس وتحويلها إلى قرية محصنة والاستتار خلف أسوارها ثم القتال (الجبان) من خلف جدرانها ليس إلا تعبيراً حديثاً جداً عن التركيبة العقدية والنفسية العتيقة لأمة اليهود الملعونة على ألسنة الرسل، وصدق الله القائل: ((لا يقاتلونكم جميعاً إلاّ في قرىً محصنة أو من وراء جُدُر)).

إن وراء خطوة اليهود الرامية إلى هدم الأقصى خطوات أكبر إلى مساع أخطر يمثلها ذلك الإصرار العنيد على بناء الهيكل الثالث؛ هيكل سليمان.

فما هو؟ … ولماذا يعاد بناؤه؟ … ومتى يريدون الإعادة؟ … وماذا أعدوا لذلك؟ هذا ما سنعرض له في حلقة قادمة ؟ إن شاء الله .


 

الحلقة الثانيه

بناء الهيكل الثالث سباق مع الزمن

هذه الحلقات تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن الميلادي الذي أوشك على الانتهاء ولا يفصل بيننا وبين العام 2000 للميلاد سوى شهور معدودة، ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا وذلك كلما اقتراب الوقت من عام 2000 وما بعده وهى قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل.

وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر وتحليل أسبابها ودوافعها ورصد التوقعات المنتظرة بسببها يتم نشرها -إن شاء الله- في حلقات منفصلة.

في ظل هذا الفراغ الذي تعيشه أمة الإسلام بعامة والعرب منهم بخاصة فإن الساحة تظل مهيأة لكل نشاط معاد يتحرك في هذا الفراغ الرهيب !

اقترب العام ( 2000) وتقترب معه دورة الزمان في التاريخ اليهودي من الانتهاء لتبدأ دورة جديدة؛ دورة زمان (ملك السلام) الذي يعتقد اليهود أنه سيقضى على كل أعداء (إسرائيل)! وفي رأيهم أنه لا بد من تهيئة عالم الشهادة لقدومه من عالم الغيب، لا بد من إقامة دولته وتوحيد عاصمته وتجهيز منبر دعوته وموضع قبلته.

أما الدولة فقد أقاموها (إسرائيل) وأما العاصمة فقد وحدوها (القدس)، وأما منبر الدعوة وموضع القبلة (الهيكل) فهو مهمة الوقت وضرورة العصر في الفصل الأخير من الزمن السابق لعهد المُخلِّص المنتظر كما يدّعون، فهل هناك متسع من الوقت لتجهيز الهيكل لملك السلام ؟!

اليهود المتدينون يسابقون الزمن لبنائه واليهود العلمانيون يستعدون لخلع رداء العلمانية بالمشاركة في إحيائه، ومع هؤلاء وهؤلاء يراهن النصارى بمشاركتهم في هذه المساعي على تنصير اليهود عندما يجئ هذا المخلص (فيفاجئون) أي اليهود بأنه هو المسيح عيسى بن مريم ولعل هذا يفسر جانباً من احتفائهم بهم واحتضانهم لهم منذ ابتداء هذا القرن وتضاعف ذلك كلما اقترب زمان الألفية الثالثة التي يعتقدون هم أيضا أنها ألفية المسيح وزمان السلام !.

تقول الكاتبة الأمريكية (لي أوبرين): (إن المذاهب اللاهوتية لكثرة من المسيحيين البروتستانت، تصف إنشاء دولة إسرائيل بأنه تحقيق لنبوءة توراتية وتعتقد أيضا أن تجمع اليهود في فلسطين مجرد تمهيد لتنصيرهم قبل المجيء الثاني للمسيح، ولهذا فإن أنصار السفارة المسيحية الدولية في القدس يشجعون محاولات تنصير أتباع أي ديانة باستثناء اليهود إذ إنه من المحرم عليهم التبشير بينهم لأنهم سيؤمنون تلقائيا بالمسيح عندما ينزل) ولكن أين سينزل المسيح؟

في اعتقاد النصارى يقولون أيضا: سينزل في القدس وسيمارس دعوته من الهيكل ولهذا لا بد من مشاركة فعالة في بناء الهيكل الذي سيكون رمزاً لتعانق الديانتين: اليهودية والنصرانية معاً أو بالأحرى اندماجهما معاً، واليهود يرقبون هذه البلاهة بمكر بل يستثمرونها بذكاء وصبر وقد قال أحد حاخاماتهم لقسيس نصراني: (إنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية ونحن ننتظر مجيئه للمرة الأولى فلنبدأ أولاً ببناء الهيكل وبعد مجيء المسيح ورؤيته نسعى لحل القضايا المشبقية سوياً).

ولكن يظل اتباع اليهودية هم الجهة المعنية أولاً ببناء الهيكل، فهو عندهم عقيدة وعبادة وتاريخ ووجدان ولا أظن أن حماسهم سيفتر من أجل إخراجه إلى عالم الوجود بعد أن ظن الناس أنهم أدرجوه في عالم النسيان.

الهيكل تسمية قديمة للمكان المختار للعبادة قبل الإسلام والهيكل الذي كان موجوداً في الأرض المقدسة يمثل مراحل المسجد الأقصى فيما قبل الرسالة المحمدية، وقد صح أنه ثاني مسجد وُضع في الأرض فقد بناه إبراهيم عليه السلام بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة وكان الهيكل في القدس قبلة لكل أنبياء بني إسرائيل طيلة عهودهم واستمر المسلمون يصلّون إلى بيت المقدس زماناً حتى تحولت قبلة المسلمين إلى الكعبة ولكن حادثة الإسراء كانت إيذاناً بانتقال أرض القبلة الأولى إلى إرث الأمة الإسلامية لأنها أرض مقدسة لا يصلح أن تبقى تحت أيدي أهل الملل الكفرية والعبادات الشركية ولهذا كانت أرض بيت المقدس في مقدمة الأراضي التي اتجهت إليها جهود الفتح بدءاً من غزوة تبوك وحتى تم فتحها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكما استمدت الأرض المقدسة قداستها من وجود الهيكل قبل الإسلام فقد استمرت تلك القداسة بعدما تحول الهيكل إلى مسجد عظيم في الإسلام له خصائصه وفضائله المعروفة، واليوم وبعد نحو ألفي عام من هدم الهيكل الثاني ونحو 1344 سنة من بناء المسجد الأقصى في ظل الإسلام يريد اليهود هدم المسجد وإعادة الهيكل ليكون هو الهيكل الثالث بعد أن دُمر الأول في سنة 587 ق.م على يد ملك بابل (بختنصر)، ودُمر الثاني سنة 70 للميلاد على يد (طيطس).

إن اليهود كانوا يتبادلون طوال أزمنة الشتات تحية يقولون فيها: (غداً نلتقي في أورشليم) وبعد أن وصلوا إلى أورشليم أو (القدس) واستولوا على حائط (البراق) الذي يسمونه حائط (المبكى) ابتدع لهم حاخاماتهم دعاء يرددونه في كل صلاة أمام الحائط وهو عبارة عن قسم وعهد على إعادة بناء الهيكل ويدعون على أنفسهم باكين بأن تلتصق ألسنتهم في حلوقهم إذا هم نسوه وأول من ردد ذلك الدعاء والتزم هذا التعهد هم القادة العسكريون عندما دخلوا القدس عام 1967م ووقتها لم يتقدم (موشيه دايان) وزير الدفاع لدخول المدينة المقدسة إلا وراء الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي (شلومو غورين)، أما (إسحاق رابين) رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي آنذاك والذي تحول بعد ذلك إلى (ركن من أركان السلام) فقد كتب في مذكراته يصف حرارة لحظات دخول القدس والاقتراب من مكان الهيكل يقول: (كان صبرنا قصيراً، كان يجب أن لا نضيع الفرصة التاريخية، كنا كلما اقتربنا من حائط المبكى ازداد الانفعال، حائط المبكى الذي يميز إسرائيل، لقد كنت أحلم دوما بأن أكون شريكاً ليس فقط في تحقيق قيام إسرائيل وإنما في العودة للقدس وإعادة أرض حائط المبكى إلى السيطرة اليهودية والآن عندما تحقق هذا الحلم تعجبت: كيف أصبح هذا ملك يدي وشعرت بأنني لن أصل إلى مثل هذا السمو طيلة حياتي) هذا رئيس الأركان الذي أصبح بعد ذلك رئيساً للوزراء ني الحكومة العمالية (العلمانية). أما الرئيس الإسرائيلى نفسه (زلمان شازار) فقد تقدم هو الآخر نحو الحائط في ذلك اليوم بخطى وئيدة وخلفه جموع يهودية صاخبة ويصف المعلق الصحفي الفرنسي (جان نويل) هذ المشهد فيقول: (دخل زلمان شازار رئيس إسرائيل المدينة التي فتحت ووقف أمام حائط المبكى ولأول مرة منذ عشرين قرناً يقف رئيس دولة عبرية مستقلة أمام معبد سليمان الكبير).

إن الإسرائيليين الملحدين أنفسهم تأثروا أيضاً بهذه المشاعر الدينية. إن اليهود لن يُنتزعوا من القدس دون أن تدمى قلوبهم.

ولكن هل اليهود وحدهم أو النصارى معهم فقط المعنيون بإعادة بناء الهيكل؟ لا إن هناك جماهير غفيرة من المغفلين أولي الديانات والثقافات المختلفة ينجح اليهود في استدراجهم للعمل لحسابهم تحت مظلة الأندية الماسونية العالمية، تلك الماسونية التي عرّفها المستشرق الهولندي (دوزي) بأنها: (جمهور كبير من مذاهب مختلفة يعملون لغاية واحدة هي: إعادة بناء الهيكل الذي هو رمز إسرائيل). ويستوي في ذلك ماسون الغرب وماسون العرب فقد جاء في النشرة الماسونية الصادرة في نيويورك عام 1951م: (إن الماسونية الأوروبية ستشيد بناءً حيث يُعبد إله إسرائيل إلى الأبد). ويقول إدريس راغب وهو من أبرز الماسونيين العرب: (إن الاعتقاد بوجوب إقامة الهيكل يقوي إيماننا بالوعود المذكورة في الكتاب).

إن هذا الاعتقاد الذي يؤمن به اليهود ويؤمن به النصارى ويسعى إليه الماسونيون قد تعدى الآن مرحلة التنظير والتأطير المستمدة من الأساطير إلى مرحلة البدء في العمل والتنفيذ انتقالاً إلى عالم الواقع.

الأحجار أولاً:

كل بناء لابد له من لبنات وأحجار تناسبه ولكن إذا كان البناء (أسطورة) يراد صنع واقع منها فلا بد وأن تكون أحجار هذا البناء الأسطوري أحجارا أسطورية أيضاً، هذا ما فهمه اليهود وهذا ما يعملون عليه الآن وبدأت قصة الحجارة من الناحية العملية في أواخر الثمانينيات عندما وقع اختيار إحدى الجماعات الدينية على حجر كبير (مقدس) يزن (5.3 طن) فقاموا في 16/10/1989 بوضعه حجر أساس للهيكل الثالث بالقرب من مدخل المسجد الأقصى وقال وقتها (جرشون سلمون) زعيم مدخل جماعة (أمناء الهيكل): (إن وضع حجر أساس الهيكل يمثل بداية حقبة تاريخية جديدة نريد أن نبدأ عهداً جديداً من الخلاص للشعب اليهودي).

ولم تكن تلك الحادثة مجرد احتفال بمراسم وضع حجر الأساس بل كانت تدشيناً لمرحلة لها ما بعدها ويدل على ذلك أن جمع الأحجار (المقدسة) أصبح عملاً تعبدياً للكثير من المعنيين بالتعجيل ببناء الهيكل وقد أذاعت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً في أوائل أغسطس/أيلول من عام 1997م جاء فيه: (إن المتطرفين اليهود في القدس أعدوا كل شيء وفق طقوسهم لبناء الهيكل وجاءوا بأحجار تم قطعها من صحراء النقب وغيرها ليتم صقلها في القدس لاستخدامها في بناء الهيكل وسيحتاج المشروع وفق التقرير إلى ستة ملايين حجر، ونبه التقرير إلى أنه لم يعد سرا أن الهيكل تم تصميمه الهندسي في الولايات المتحدة الأمريكية على يد مستشارين هندسيين من يهود أمريكا وذكر التقرير أيضاً أن هذا التصميم وُضع تحت تصرف الحكومة الإسرائيلية الآن وتم إعداد فريق متكامل من عمال البناء سيظلون رهن الإشارة للعمل عندما يحين الوقت). (الشرق القطرية 19/8/1997)

إن ستة ملايين حجر (توراتي) مهمة غير هيّنة ولكن كل شيء يهون عند يهود اليوم وهم يرون أنهم الجيل المختار من الشعب المختار لإنجاز العمل الكبير الذي لم يعودوا يصبرون على تأجيله وقد نشرت الصحف الإسرائيلية أن عائلة (ليفي) اليهودية الثرية التي تملك كسّارات ضخمة في جنوب الأرض المحتلة أعدت بالفعل كميات ضخمة في الجنوب من الحجارة التي لم تلمسها يد إنسان أو إزميل عامل حسب وصف التوراة لكي تُنقل عندما تحين الفرصة إلى القدس لبناء الهيكل (نقلاً عن الخليج 6/11/1997).

وهناك جماعة يهودية أخرى تخصصت في شراء أحجار معينة يتم تقطيعها وصقلها في صحراء النقب بأموال يحصلون عليها من التبرعات ويؤكد أحد زعماء هذه الجماعة ويدعى (يالوز) أن توفير ستة ملايين حجر من تلك الحجارة الخاصة ليس بالأمر اليسير ولكنه يؤكد على أنه وجماعته يشعرون بأنم يقومون بمهمة مقدسة ولا بد من إتمامها ويقول: (عندما ألمس هذه الحجارة وأحملها أشعر بأن شيئاً من الجنة يتحرك فيها). (الخليج 9/8/1997)

إن هذا الهوس الحجري العنصري والأجواء الأسطورية التي تعيشها الجماعات الدينية اليهودية تجعلها تُقدِم على أمور تبدو للوهلة الأولى أنها أفعال مجانين !! ولكنها للأسف جنون موجه تحميه القوانين وتؤازره السلطة مما حدا ببعض الجماعات إلى قلع الحجارة التي تحف ببعض الأرصفة في القدس عندما اشتموا فيها مسحة توراتية بل شاركت السلطات نفسها فيما لا تستطيعه الجماعات ففي شهر يونيه (حزيران) من عام 1997م قررت البلدية الإسرائيلية لمدينة القدس بالتعاون مع وزارة السياحة البدء في مشروع اقتلاع الأرصفة بأحد الشوارع الكبرى في القدس وقد تم تحصيل مبلغ مليون شيكل (قرابة 35 ألف دولار) لنزع تلك الحجارة التوراتية العتيقة. (الخليج 14/6/1997)

وماذا بعد الحجارة ؟

كان المتوقع أن يتم تأجيل كل عمل يتعلق بالبناء حتى يتم الهدم الذي يتعجلون يومه ولكن الواقع غير ذلك فالواقع أن اليهود بدافع من ذلك الهوس (الهستيري) يستبقون الأحداث وقد أذاعت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها في شهر أغسطس/آب من عام 1997 أن الاستعدادات تجري لتجديد وإحياء التقاليد والطقوس التي ستمارس في الهيكل بما فيها من مذابح للحيوانات التي تقدم ضمن الشعائر اليهودية وذكرت أن الحاخامات ينشطون الآن في تخريج أجيال تقوم على رعاية تلك الطقوس في (معهد الهيكل) بالقدس. وأشارت إلى أن هؤلاء ينطلقون من رؤية مفادها أن الهيكل ينبغي أن يكون جاهزاً بشكل تام وليس مجرد بناية فقط قبل الأحداث الكبرى التي ستسبق نزول المسيح.

وتعرض في إسرائيل الآن كما نشر في السياسة الكويتية 30/10/1997 عشرات من أنواع الأدوات الدينية التي سيحتاج إليها رواد الهيكل عندما يبنى مثل المعدات التي ستستخدم في معالجة الرماد عند التضحية بالقرابين، والآنية والنبيذ (المقدس) ومفروشات العبادة كل ذلك أصبح جاهزاً.

وماذا عن الشمعدان ؟

حتى الشمعدان السباعى (المقدس) تجري الآن بشأنه أشياء وأشياء فهو أعظم رمز ديني عند اليهود وهو يرمز لأيام الخليقة السبعة في التوراة التي يعتقد اليهود أنهم سيتوجون اليوم السابع منها ولهذا اتخذ رمزاً رسمياً للدولة الإسرائيلية فنراه منقوشاً على العملات ومطبوعاً على الأوراق ومبرزاً على واجهات المنابر ومنصات المحافل، هذا الشمعدان والذي يوشك على الانتهاء الآن يرى اليهود أن قداسة (قدس الأقداس) داخل الهيكل لا تكتمل إلا بإيقاده داخله والآن يريدون تحويل ذلك الرمز الديني التاريخي والسياسي أيضا إلى حقيقة واقعة!

والشمعدان السباعي ليس واحداً فقط على ما يبدو ولهذا جرت ولا تزال تجري المساعي للعثور على القديم وإنجاز مجموعة أخرى من الشمعدانات الجديدة! فقد أدلى (باروخ بن يوسف) زعيم منظمة (بناة الهيكل) بتصريح لوكالة الأنباء الفرنسية في أغسطس/آب 1997 قال فيه: (إن جماعته انتهت من صنع شمعدان ذهبي ضخم تم صنعه في أمريكا ونقل بالفعل إلى إسرائيل وقال إن جماعته بدأت مع جماعات أخرى في إعداد حاخامات متمرسين في هذا الشأن لإقامة الشعائر الدينية التي ستُقام في الهيكل). (الخليج 9/8/1997)

وهناك مليونير يهودي مصري يدعى (موسى فرج) بدأ عام 1990 بمباركة شخصية من صديقه الشخصي (بنيامين نتنياهو) قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في العمل لإنجاز شمعدان ذهبي في الولايات المتحدة التي استقرّ بها ذلك المليونير مشتغلاً بتجارة الماس. وقد انتهى من إنجازه كما أكد ذلك (إيهود ألمرت) عمدة بلدية القدس وانتهى كذلك من إنجاز عمل آخر هو (خيمة الاجتماع) أو (خيمة العهد) التي يعتقد اليهود بضرورة وضعها في الهيكل لأنها ترمز إلى الخيمة التي اجتمع فيها موسى مع الملائكة حسب معتقد اليهود فوعدته بمجد بني إسرائيل، وهذه الخيمة الجديدة التي انتهى من إعدادها المليونير اليهودي تم صنعها كما ذكرت الأنباء من خيوط الذهب الخالص وقد أهداها بعد إتمامها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو! وذلك إضافة إلى الشمعدان الذهبي الذي خصص له المليونير مبلغ (15) مليون دولار أمريكي (روز اليوسف 18/8/1997) أما الشمعدان الأكبر القديم فيذكر المؤرخون اليهود أنه نجا من الاحتراق عندما دمر نبوخذ نصّر الهيكل عام 586 قبل الميلاد ولكنه -أي الشمعدان- فُقِدَ، وَظَلَّ اليهود يحلمون عبر قرون طويلة بالعثور عليه ويحدوهم الأمل باسترجاعه تحقيقاً لبعض النبوءات غير أن ذلك الحلم لم يتحقق ولكن في هذا العصر؛ عصر تحقق الأساطير اليهودية بدأ اليهود في إعادة البحث عن الشمعدان حتى إن المخابرات الإسرائيلية نفسها تورطت في الستينيات من هذا القرن في حادث اختراق وتسلل إلى مخازن الفاتيكان بناءً على معلومة كاذبة تقول: إن الشمعدان يوجد في أحد دهاليز مخازن الفاتيكان ومرت الحادثة ومضت ولكن اليهود لم ينسوا الشمعدان المفقود ففي شهر سبتمبر/أيلول من عام 1997، اجتمع وزير الأديان الاسرائيلي (شيمون شيريت) مع البابا يوحنا بولس الثاني وطلب منه المساعدة في العثور على الشمعدان المقدس القديم الذي يزن (60) كيلو جراماً من الذهب (السياسة الكويتية 30/7/1997) ويدعي اليهود أن ذلك الشمعدان أُحضِرَ إلى روما في عهد الإمبراطور (طيطس) الذي هدم الهيكل عام 70 للميلاد !

وهكذا نرى أن اليهود سيلغمون الأشهر والأعوام القليلة القادمة بقنابل عديدة وموقوتة ولهذا نتوقع أن (يُتْحِفونا) كل حين بمفاجأة من مفاجآتهم (الأسطورية) التي يبدو أنها ستصطف واحدة تلو الأخرى لكي تخرج تتهادى إلى عالم الوجود تباعاً ومن الآن فصاعداً وذلك لكي يقنعوا العالم بأنهم لا يتحدثون عن خرافات بل عن وقائع !

والتابوت !

 أسطورة أخرى تتعلق بالهيكل يدور حولها الآن جدل ومناقشة إنها أسطورة التابوت. نقول أسطورة باعتبار ما يردده اليهود عنها اليوم وإلا فإن التابوت الذي كان موروثا من زمان موسى عليه السلام والذي حملته الملائكة في زمن النبي شموئيل لتثبت لبني إسرائيل أحقية (طالوت) بالملك، هذا التابوت المذكور في سورة البقرة حق نؤمن به لأنه مذكور في القرآن ولكن ما ليس بحق أن اليهود يزعمون أنهم سيحصلون عليه مرة أخرى وسيكون معهم في معاركهم الفاصلة مع أعدائهم فيكون النصر حليفهم. من يصدق أن اليهود الآن يتطلعون إلى إخراج هذا التابوت مرة أخرى إلى العالم ! إن البحث عن التابوت اليوم يمثل عرضاً آخر من أعراض حمى سنة 2000 .

والتابوت حسب التراث اليهودي كان موجوداً في الهيكل الأصلي داخل ما يعرف ب‍ (قدس الأقداس) وكان يضم قطعاً من ألواح التوراة وبقايا مما ترك آل موسى وآل هارون، والقرآن يصدق هذا في قوله تعالى: ((إنَّ آيةَ مُلكِهِ أن يأتِيَكم التابوتُ فيه سكينةٌ من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وال هارون تحمله الملائكة)) (البقرة:248) ، ولكن هذا من الأمور التي انتهت بانتهاء أفضلية بني إسرائيل ولو بقى في التابوت أو الشمعدان أو خيمة العهد أو نحوها فضل على فَرَضِ بقائها لانتقلت إلى إرث الأمة المفضلة الأخيرة أمة محمد s كما انتقل إلى إرثها المسجد الأقصى والأرض المباركة حوله ولكن اليهود لا يعترفون بهذا ولا يقرون لمحمد s برسالة أصلاً ولهذا فإن كل ما كان مقدساً في كتبهم وديانتهم المنسوخة لا يزال على صفته عندهم.

وعلى هذا فالهيكل لا بد أن يحتوي في نظر اليهود على تابوت العهد حتى تكتمل صفته الدينية ولكن أين التابوت الآن؟ أسطورة أخرى يتحرك شبحها في الأفق البعيد محاولاً المجيء من عالم الغيب السحيق فقد أكدت صحيفة معاريف الإسرائيلية في عددها الصادر في فبراير/شباط 1997 أن تابوت العهد موجود الآن في إثيوبيا ونقلت عن أحد علماء الآثار والتاريخ اليهودي قوله: إن منليك ابن النبي سليمان عليه السلام من بلقيس ملكة سبأ نقله إلى الحبشة بعد وفاة أبيه ونسب الباحث تلك الوقائع إلى التوراة وأضاف: (إن الهيكل لا يعني أي شيء بدون التابوت، والتابوت ليس موجوداً تحت المسجد الأقصى كما تظن بعض الجماعات اليهودية وكل محاولات التنقيب والحفريات التي تجرى لن تصل إلى شيء يتعلق بهذا التابوت) !.

وبعد أن نقلت الصحيفة عن الباحث الإسرائيلي هذه التصريحات عقبت بقولها: (إن تابوت العهد موجود بالفعل في مكان سري في شمال إثيوبيا قرب مدينة (أقسموم) العاصمة القديمة للحبشة أيام حكم بلقيس وسليمان والتي حكمها منليك بعد أمه مدة خمسة وعشرين عاماً ثم أردفت الصحيفة قائلة: (لا أحد يعرف مكان التابوت إلا أفراد قلائل من كبار المسؤولين) !!

وهناك رأي آخر في تحديد مكان التابوت وهو سائد أيضا بين العديد من الجماعات اليهودية وهو أنه في مكان ما في الطبقات العميقة تحت (قدس الأقداس) يعني تحت الأرض المقام عليها الآن المسجد الأقصى وهذا هو الرأي التقليدي الشائع والذي بموجبه بدأت الحفريات تحت المسجد الأقصى والذي من أجله صدرت الفتاوى الحاخامية بحظر دخول اليهود إلى داخل أروقة المسجد خوفاً من أن تطأه الأقدام !! وعلى كلا الرأيين فلا بد في نظر كل من الفريقين أن يتم العثور على التابوت بما فيه من الألواح والأشياء المقدسة!

لعل هذه التفاعلات المرضية وتداعياتها تقرب القارئ إلى تصور الحد الذي وصلت إليه الأمور اليوم في ذلك الصراع الديني الذي يدار دينياً من طرفٍ واحدٍ ولعل القارئ يدرك بهذا إلى أي حدّ ارتفعت درجة حرارة الحمى بمرضى الهوس الألفي الذي تتحدث عنه الصحف الرسمية اليهودية وتتناثر التصريحات حوله من المسؤولين اليهود داخل (إسرائيل) وخارجها. والسؤال هنا: أين مثقفونا وسياسيونا (الواقعيون جداً) من هذا الواقع الجديد المتصاعد داخل الدولة العبرية ؟؟؟ هل يعلمون بذلك وهم يصحون الأسماع بالحديث عن السلام الحتمي والتطبيع المصيري؟ أغلب الظن أنهم يطّلعون على مثل هذا وأكثر ولكن لماذا هذا الصمت المريب على كل تلك الصرعات الدينية اليهودية والنصرانية التي يُراد أن يُدار بها الصراع في المرحلة القادمة في ظل غيبوبة مفروضة على الأمة! لماذا يُسكت عن (الأيديولوجيات) المُسَيَّسة المولعة بالعودة إلى الوراء آلافاً من السنين في حين يستمر الضجيج المقذع للتخويف من العودة للإسلام وحده ولمصلحة من يُطلب من الإسلام وحده أن يكفّ يده في حين تمتد كل الأيادي والسواعد (الدينية) للعمل النشط ويصمت عنها؟

الذي يظهر لي في علة هذا الصمت المصنوع عن الانتعاش الديني لدى اليهود والنصارى هو الخوف من إثارة الغيرة وتلك المشاعر في روح الأمة التي لو فارقتها لفارقتها الحياة نعم هناك ما يشبه التهامس بهذه الأمور ولكن سياجاً من التعتيم والتعمية يقام حولها حتى لا تتنبه الأمة وجماهيرها اللاهية إلى ما يراد لها أو قد تعرض بعض هذه القضايا في شكل جزئي مُهمّش أو عرض اختزالي مغبش.

وتظل مهمة استخلاص الحقائق من بين براثن الإشارات الصحفية الشحيحة عن هذه الأمور مهمة صعبة. إن الإعلام العربي (العلماني) يمارس للأسف الشديد مهمة الاتجار في المخدِّرات الفكرية ويعمل على ترويجها حتى تصاب الأمة كلها بحالة من إدمان الترف المعرفي التائه أو التجاهل أو التشاغل الذاهل.

قارن مثلا بين مساحة الاهتمام بقضية اليهودية العاهرة (لوينسكي) أو قصة النصرانية العاشقة (ديانا) أو هذا الفنان أو تلك الغانية أو ذاك الرياضي، قارن بين ذلك وبين كثير من القضايا الكبار التي تواجه الأمة مصيرياً فبتلك المقارنة تدرك بعد الشُّقة ومع هذا فإن إجراء عملية (ترشيح ) للقليل المنشور في مثل هذه القضايا المُهمّة المُهملة يوصل إلى مؤشرات ترسم معالم الحقيقة في الموضوع المراد. ومن معالم الحقيقة في موضوع مقالنا أن القضية وصلت إلى أعلى مستويات المعرفة والمواجهة بين المسؤولين العرب والمسؤولين اليهود فقد ذكرت بعض الصحف أن ياسر عرفات زعيم السلطة الفلسطينية عرض صوراً مما درجت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً على نشرها للهيكل في تصميمه الأخير المعتمد حيث تظهر مبانيه وهي تحتل مكان المسجد وممن عُرِضَ عليهم ذلك أعضاء مجلس الجامعة العربية وأعضاء لجنة القدس، وذكرت مجلة (روز اليوسف) في عددها الصادر في 5/5/1997 أنه أي عرفات عرض ذلك أيضاً على الرئيس حسني مبارك وقال الصحفي المصري عادل حمودة إن ياسر عرفات التقى أيضاً في إحدى زياراته للقاهرة بعدد من الصحفيين وشرح لهم تفاصيل المخطط الإسرائيلي لهدم الأقصى وقال للصحفيين: إن يهود العالم تبرعوا في السنوات الأخيرة بما يقرب من مليار دولار من أجل مشروع واحد وهو بناء الهيكل الثالث ! وذكرت صحيفة الحياة في عددها الصادر في 7/3/1997 أن الرئيس حسني مبارك واجه بنيامين نتنياهو عندما زار القاهرة في 5/3/1997 برسوم وتصميمات هندسية تُسرِّبها إسرائيل عن الهيكل الثالث وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر مصرية مطلعة: (إن نتنياهو لم يَنْفِ أمام الرئيس مبارك مخططات حكومته إحياء هيكل سليمان في موقع مسجدي الأقصى والصخرة في القدس الشريف عندما واجهه بالتصميمات الهندسية للهيكل )!.

وكان نتنياهو قد أهدى مجسما يمثل الهيكل الثالث لأسقف الروم الأرثوذكس (ماكسيموس شالوم) بمناسبة عيد الميلاد عام 1997، وكان المجسم موضوعاً على خريطة وقد بدت بها معالم المدينة المقدسة خالية من المسجدين، ولما اعترض الفلسطينيون قال ناطق باسمه لوكالة (رويتر): (نعتذر عن هذا الخطأ إننا لم نلاحظ أن المسجد الأقصى لم يظهر في النموذج المجسم). (الحياة 13/1/1997)

وهكذا تمضي الأحداث مسجلة كل يوم خطوات إلى الأمام على درب المخططات اليهودية بينما لا تزال تتعثر خطواتنا في مجرد استيعاب أخبار مخططاتهم !.

يبقى أن أشير إلى نقطة أخيرة فيما يتعلق بالمشروع المؤامرة وهي: أن ما يطلق عليه اليهود (قدس الأقداس) أو المذبح والذي يُعدّ في الحقيقة موضع القبلة الحقيقية لدى اليهود داخل أروقة الهيكل، هذا المذبح قد أُنجِز بالفعل فقد انتهت منظمة (حركة إعادة الهيكل) من بناء هذا المذبح في منطقة قريبة من البحر الميت وقد أُعد بطريقة تسمح بنقله في الوقت المناسب لمثل مكانه في قلب مباني الهيكل. وقد نشرت جريدة الخليج في 16/11/1997 أن الشركة الإسرائيلية للصناعات المعدنية في الأرض المحتلة شاركت في المشروع وتولت إعداد التجهيزات المعدنية بداخله بطول ثلاثين متراً على نفس الهيئة التي كان عليها المذبح القديم وذكرت الصحيفة نقلاً عن وكالات الأنباء أن المذبح الموجود الآن في منطقة قريبة من البحر الميت كان قد تقرر عرضه في صالة واسعة تابعة لمعهد دراسات الهيكل في القدس إلا أن مخاوف أمنية جعلت الإسرائيليين يُرجئون فكرة عرضه وتم التحفظ عليه في مكان أمين بمحاذات الحدود مع الأردن !.

أقول: لماذا المذبح الآن؟ ولماذا عُجِّلَ بهِ قبل بقية البناء؟ وماذا سيُذبح فيه ؟! إن الجواب المعلوم إجمالاً لكل متابع أن اليهود يُعدون المذبح لكي بكون مسرحاً لرواية أسطورية أخرى من كبريات أساطير سنة 2000 وهى أسطورة (البقرة الحمراء . . . العاشرة).

فما هي البقرة العاشرة؟ وما قصتها القديمة وآخر حلقاتها الحديثة؟ متى وجدوها؟ ومتى يذبحونها؟ وكيف سيتحول الشعب اليهودي كله بعد ذبحها إلى شعب (أصولي) شديد التمسك باليهودية؟ هذا ما سنعرفه في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.


 

الحلقة الثالثة

البقرة العاشرة أخرجوها فمتى يذبحونها ؟!

هذه الحلقات تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن الميلادي الذي أوشك على الانتهاء ولا يفصل بيننا وبين العام 2000 للميلاد سوى شهور معدودة ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا وذلك كلما اقترب الوقت من عام 2000 وما بعده وهى قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل.

وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر وتحليل أسبابها ودوافعها ورصد التوقعات المنتظرة بسببها يتم نشرها -إن شاء الله- في حلقات منفصلة.

بداية أعتذر للقارئ الكريم عن إشغال جزء من صفحات هذه المجلة الوقورة للكلام عن بقرة ولكن ماذا نفعل إذا كان أعداء الله من غلاة اليهود يربطون مصير المنطقة الآن بمصير (بقرة)؟! ولا أدري بالضبط ما هي حكاية اليهود مع البقر فقد اتخذوا في بواكير عهدهم مع موسى عليه السلام إلهاً من عجول البقر كما جاء في القران: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار) (الأعراف:148) . ولهم مع البقر قصة أخرى نزلت باسمها أكبر سورة في القرآن وهى سورة البقرة التي سميت بهذا الاسم لتدل على سوء الفهم وخبث الطويّة لدى بني إسرائيل في أمر تعنتهم في البقرة التي أُمروا بذبحها، واستمرار هذا التعنت في شؤونهم كافة. مما استحقوا معه أن ينتزع منهم الاصطفاء ويتحول إلى الأمة الخاتمة أمة محمد s كما دل على ذلك محور السورة وهدفها الرئيس. ولكن بني إسرائيل من يومها ظلوا يعيشون في وهم الاصطفاء والاختيار والتميز مهما اقترفوا من خطايا وارتكبوا من موبقات زاعمين أنهم: (أبناء الله وأحباؤه) (المائدة: 18) ، أما الشريعة التي أنزلها الله تعالى لهم فقد بدلوها وغيروا فيها بما يُبقي عندهم الشعور الزائف بأنهم لا يزالون على دين صحيح مقبول. والحق أن ما بقي لديهم من الديانة إما مفتقر إلى الصحة أو مفتقر للقبول فهو إما باطل مخترع أو حق منسوخ.

وهناك أساطير كثيرة لا يزالون يتداولونها تدخل ضمن هذا السياق، فهي باطل مخترع أو حق منسوخ، وقد تابَعَتْهم على بعضها طوائفُ من النصارى، ولهذا فهم جميعاً يتقلبون بتلك المعتقدات الباطلة بين وَصْفَي: (المغضوب عليهم، والضالين).

وقد مر معنا في الحلقتين السابقتين كيف أن اليهود يحاولون إعادة إحياء كل الأساطير البائدة المستمدة من التوراة المحرفة وكأنهم بذلك يريدون الجمع بين الخصوصية الزمانية (زمن الخلاص) والخصوصية الإنسانية (شعب الله المختار) والخصوصية المكانية (الأرض المقدسة) ولكن هيهات هيهات أن تغير الأساطير ما قضت به المقادير؟ فقد كُتبت عليهم اللعنة إلى يوم الدين على ألسنة المرسلين.

أسطورة لها خوار:

 في عام 1920م وعندما بدأت المباحثات بين الاتحاد الصهيوني والإنجليز من أجل التوصل إلى صيغة لتسليم فلسطين لليهود بعد انتهاء الانتداب، كان من بين الموضوعات المطروحة للبحث: (ملكية جبل الهيكل) وطرح الجانب الإنجليزي في المباحثات سؤالاً: هل هذا المطلب مطلب عاجل أم آجل؟ وما مدى اجتماع الشعب اليهودي حول هذا المطلب؟ فأجابهم الحاخام (راف كوك) قائلاً: (يؤمن الشعب اليهودي كله إيمانا لا يتزعزع أن هذا المكان المقدس وكل جبل الهيكل هو مكان العبادة الأبدي للشعب اليهودي ورغم أنه في حكم غيرنا الآن إلا أنه في النهاية سيقع تحت أيدينا، ويوم تقع أرض الهيكل في أيدينا ستأتي إشارة من الرب (البقرة الحمراء) وبعدها نبدأ فوراً في البناء حيث تنبأ بذلك أنبياء بني إسرائيل.

والنبوءة التي أشار إليها الحاخام هي معنى ما ورد في الإصحاح التاسع عشر من سفر العدد بالتوراة ونصها: (وكلم الرب موسى وهارون قائلا: هذه فريضة الشريعة التي أمر بها الرب قائلاً: كلم بني إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يَعلُ عليها نير فتعطوها (ألعازار) الكاهن فتخرج خارج المحلة وتذبح قدامه ويأخذ ألعازار الكاهن دمها بأصبعه وينضح من دمها في وجه خيمة الاجتماع سبع سنوات ويحرق البقرة أمام عينيه يحرق جلدها ولحمها ودمها مع فرثها ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفاً وقرمزاً ويطحنهن وسط حريق البقرة ثم يغسل الكاهن ثيابه).

ثم بين النص العلة من ممارسة هذا الطقس: (… تكون البقرة لبني إسرائيل وللغريب النازل في وسطهم فريضة دهرية).

ولكن : لماذا حول اليهود تلك (الفريضة) إلى نبوءة و(إشارة) من الرب؟ في الواقع أنهم يربطون بين تنفيذها وبين إعادة بناء الهيكل، فالفريضة أو النبوءة أو البقرة الحمراء ستكون دلالة عندهم على أن الزمن الذي ظهرت فيه هو نفسه زمان الهيكل الثالث بعد إعادة بنائه. ولعل هذا يفسر لنا استمرار غياب الكلام عن مثل تلك الطقوس خلال أزمنة اليهود الخالية التي لم يكن لهم فيها تمكين. ويعتقد اليهود المتدينون أنه قبل ألفي عام مضت في حقبة المملكتين اليهوديتين الأولى والثانية؛ تم مزج رماد بقرة حمراء صغيرة ذبحت في عامها الثالث وخلط دمها بالماء واستخدم في (تطهير) الشعب اليهودي ليصبح مهيأ للدخول إلى الهيكل المقدس. ويعتقدون أيضا أنه لم تولد طوال التاريخ اليهودي بقرة بتلك الأوصاف منذ دُمِّر الهيكل الثاني عام 70 للميلاد، وعلى حسب التاريخ الديني اليهودي فإنه قد جرت التضحية ببقرة حمراء واحدة في زمن الهيكل الأول، وبثماني بقرات في زمن الهيكل الثاني واليوم يستعدون لمرحلة الهيكل (الثالث) وزمان البقرة (العاشرة).

البحث عن البقرة:

 لم يعد سراً تزايد حرص اليهود على المزيد من الخطوات العملية المتفاعلة الآن من أجل إعادة بناء الهيكل بعد الانتهاء من هدم مسجدي الأقصى والصخرة وبما أن الهيكل لن يعمره بالعبادة إلا أناس (مطهّرون) من النجس وبما أن هذا النجس لن يزول إلا برماد البقرة وبما أن البقرة لم تكن موجودة إلى عهد قريب فإن جهود اليهود اتجهت للبحث عن بقرة تطل بقرنيها على مشارف القرن الجديد فلا بد من ظهورها أو إظهارها ولو اقتضى الأمر استحداث بيئات وظروف تستخرج تلك البقرة استخراجاً من بين ملايين البقر !! وهذا ما كان فمنذ عدة سنوات تعهد كاهن أمريكي يدعى (كلايد لوت) ينتمى إلى جماعة (حركة الهيكل الثالث) الإنجيلية الأصولية بأن يوقف جهوده للعثور على بقرة بالمواصفات الدقيقة الواردة في العهد القديم ونذر نفسه للمساعدة في أي مشروع يتعلق بإعادة تأهيل الهيكل للعبادة وقد جرت اتصالات ومقابلات عام 1989م بين هذا الكاهن وبين الحاخام الإسرائيلي (حاييم ريتشمان) الذي يعمل في معهد (الهيكل المقدس) حيث اقترح ريتشمان فكرة في إنشاء مزرعة لإنتاج وتربية الأبقار من سلاسة (ريدنفوس) الضاربة إلى الحمرة، فاقتنع الكاهن وأنشأ بالفعل تلك المزرعة في ولاية ميسيسيبّي الأمريكية وقد أنشأ هذا الكاهن فيما بعد فرعاً لمزرعته في مدينة حيفا تحسبا ليوم تولد فيه البقرة المنتظرة!

إعلان العثورعلى البقرة ... وماذا يعني ؟

أخيراً وبعد ما يقرب من ألفى عام ادعى اليهود أنهم وجدوا ضالتهم ! لقد ظهرت البقرة!! ففي شهر أكتوبر/تشرين أول من عام 1996 تم الإعلان عن ميلاد بقرة حمراء مطابقة للمواصفات الواردة في التوراة وأعلن أنها ولدت في مزرعة (كفار حسيديم) وعلى الفور ذهب وفد من الحاخامات لمعاينة حالة مولود العصر ومقارنته بالأوصاف المذكورة في التوراة ثم أعلنوا وقتها مطابقة المولودة للمواصفات بعد أن باركوها وأمروا بفرض حراسة مشددة حولها! (جريدة الأخبار المصرية 25/4/1997)

لقد كان الإعلان عن العثور على البقرة بداية لمرحلة جديدة ومثيرة من الهوس الألفي عند اليهود وأنصارهم من البروتستانت المتهوِّدين في أمريكا وبريطانيا وتناولتها وسائل الإعلام الحديث بتغطية متلفعة بالتكهنات والتوقعات والحذر، فقد نشرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في عددها الصادر في (9/7/1997) أخبار الحدث قائلة: (سيكون الذبح الطقسي للبقرة الحمراء بعد ثلاث سنوات من ميلادها بداية العد التنازلي للعودة الكبيرة لليهود إلى موقع عبادتهم السابق وتبشيراً بمجيء المسيح المخلص بيد أن محاولة تحقيق هذه العودة ستؤدي إلى بداية لا تُنسى للألف الثالثة) !.

لقد توافد الآلاف من اليهود (متدينين وغير متدينين) إلى مزرعة (كفار حسيديم) في إسرائيل لمشاهدة هذا الكائن (الأسطوري) ولحسم الفوضى التي يمكن أن تنشأ عن هذا التدافع، لجأت الجهات اليهودية المهتمة بهذا الشأن إلى تنظيم الزيارات والرحلات لزيارة البقرة !! لقد نجح الشيطان لعنه الله في استثمار ضعف الإنسان حيال الغيب المجهول فأحدث بين اليهود حالة من النشوة محفوفة بهالة من الرهبة وممزوجة بالرغبة في اقتحام المزيد من أستار الغيب المجهول ورأى كبار زعماء الجماعات الدينية الفرصة سانحة لضخ الدماء في عروق التعصب لمزيد من التأهب لمغامرات المستقبل القريب ونظروا إلى البقرة التي أطلقوا عليها اسمم (ميلودي) على أنها أحدث إشارة بدنو العصر الأخير، وتوقع الكثيرون منهم أن تستخدم دماء تلك البقرة عينها في احتفالات (تطهير) الشعب اليهودي الذي لا يمكن أن يمارس العبادة في الهيكل إلا بعد أن يتم تطهيره برمادها وفقاً لقول التوراة التي بأيديهم: (كل من لم يتطهر فإنه ينجس مسكن الرب) ورأى آخرون أن هذه البقرة التي ظهرت هي حلقة الوصل المفقودة والمطلوبة للوصول السريع إلى زمن إعادة الهيكل حتى إن اليهودي الأصولي المتعصب (يهودا اتزيون) الذي كان متهماً رئيساً في محاولة تفجير قبة الصخرة عام 1985 أعلن بعد ظهور البقرة ابتهاجه بهذا الحدث التاريخي وقال: (إننا ننتظر منذ ألفي سنة ظهور إشارة من الرب والآن أرسل لنا البقرة الحمراء وظهورها يعتبر أحد أهم الدلائل على أننا نعيش في زمن مميز ولهذا فلا بد من الإسراع بإزالة مسجدي الأقصى والصخرة من جبل الهيكل ونقل بقاياهما إلى مكة (السياسة الكويتية 30/10/1997) .

وبدأ المتعصبون اليهود على الفور في استثمار الحدث لإنشاء واقع جديد من خلاله فدعا العديد من زعماء الجماعات الدينية (الطليقة) في طول البلاد وعرضها في (إسرائيل) إلى إلغاء الفتوى الحاخامية القديمة التي تحظر على اليهود دخول ساحات المسجد الأقصى ووقعوا توصية بذلك في المؤتمر السابع لحركة (إعادة بناء الهيكل) (الحياة 16/9/1998) وبالفعل قررت لجنة من (60) حاخاماً في شهر أغسطس/آب من عام 1997 تجاوز الحظر الذي كان معمولاً به وشجعوا اليهود على الصعود إلى ما يسمونه (جبل الهيكل) حيث يوجد المسجد الأقصى ومسجد الصخرة واحتج هؤلاء بأن لديهم مسوغات كافية تجعل من حق اليهود أن يصعدوا إلى هناك لكي يتسنى لهم البدء في الاستعدادات الخاصة بإعادة بناء الهيكل وقال المتحدث باسمهم: (إن الحظر العام على الصعود لم يكن يأخذ في اعتباره في السابق الاكتشافات الأخيرة وأبرزها اكتشاف البقرة الحمراء ونحن الآن بانتظار الخلاص وإعادة بناء الهيكل التي يجب أن تبدأ بسرعة في أيامنا هذه) (الأنباء الكويتية 9/7/1997).

وبدأت مجموعة من الحاخامات منذ سنوات في دعوة عائلات الكهان لإرسال أولادهم لكي يتم إعدادهم في حجر (الحجر الطاهر) ليكونوا جاهزين للعمل في الطقوس المتعلقة بالبقرة واستجابت أربع عائلات كهنوتية للتبرع بأولادها من أجل هذا الغرض (الرأي العام 5/3/1998) . وبدأ الحاخامات منذ فترة بالاتفاق مع الجهات الحكومية بتحصيل نسبة 1% من مجموع الإنتاج داخل إسرائيل ليوضع في حساب (خدمات الهيكل) الذي دخلت مهماته مرحلة التنفيذ بظهور البقرة وتحصيل هذه النسبة يجري الآن وفقاً لتشريع ديني يقضى بأن يقدم الشعب اليهودي عُشر العُشر ليوقف على الهيكل وقد وضع عنوان خاص لاستقبال تلك الإسهامات وتنظيم إنفاقها على المشاريع المتعلقة بالهيكل.

لقد ظهرت مع ظهور البقرة الحمراء حالة من الحماس الديني بين الجماعات اليهودية التي تنافس الحكومة بأنشطتها (120 جماعة)، وبدأت في اكتساب أنصار جدد من أولئك الذين لم يكونوا يأبهون بشعارات الجماعات الدينية وقد علق (مناحيم فريندمان) الخبير في الشؤون الدينية في جامعة (بارابلان) على هذه الظاهرة الجديدة بقوله: (إن ولادة هذا الحيوان الطارئة أوجدت حالة من الحساسية في إسرائيل إذ أصبح الناس يبحثون في أمر هذه العلامة ويتحدثون عنها بدقة) (السياسة 30/10/1997).

البعد السياسي لعهد (البقرة):

لم يكن المتدينون وحدهم المحتفين بضيفة (إسرائيل) الجديدة بل اهتبل السياسيون مناسبة حولها في ذلك التوقيت لتحقيق أغراض سياسية وحزبية مستغلين تصاعد المد الديني في (إسرائيل) وربط كثيرون بين ظهور البقرة وظهور نتنياهو الذي توجت في عهده أنشطة الجناح الديني في السياسة الإسرائيلية، والمؤسسة الدينية التي اعتبرت فوز نتنياهو انتصاراً للمتدينين وهزيمة للعلمانيين دأبت على تدعيم موقفه بعد الإعلان عن ظهور البقرة وربطت مجيئه بتحقيق نبوءات يؤمنون بما مما جعل البعض منهم ينظرون إليه على أنه يتبوأ منزلة (ملك) من ملوك إسرائيل التاريخيين وأنه يمكن على ذلك أن يتمتع ب‍ (العصمة) الدينية التي تجعل مخالفيه في زاوية المخالفين للتوراة.

وقد أثار تفاؤل المتدينين أيضاً وقتها أن عهد نتنياهو سيستمر في السلطة حتى العام 2000 على الأقل وهو العام المرتب له أن يكون عام التطهير! لكن هناك فريق من الإسرائيليين لم يشاركوا جمهور اليهود في الابتهاج بالعجل الجديد وهم شرائح من العلمانيين الذين شعر كثير منهم بالانزعاج والتخوف من مضاعفات هذا الاكتشاف ونتائجه التي قد يصيبهم شرها وشررها ورأى بعضهم أن قضية البقرة قد تفتح باباً لدوامة من العنف لا نهاية لها بين المسلمين واليهود داخل فلسطين وأيضا بين المتدينين وغير المتدينين من اليهود وذلك ما أكده الصحفي الإسرائيلي (ديفيد لانرد) حيث قال: (إن الأذى المحتمل من جانب الحديث عن ظهور البقرة الحمراء يفوق بكثير ما يمكن أن ينتج عن الخصائص التدميرية لقنبلة نووية دينية).

خيبة أمل عارضة

بعد أن راحت الأحلام تسبح باليهود المتدينين في سواحل الخيال والخبال طرأ ما يعكر أجواء هؤلاء الحالمين، فقد شكك بعض الحاخامات في أن تكون (ميلودي) هي البقرة الحمراء المنتظرة وأوردت صحيفة معاريف الإسرائيلية الصادرة في (29/10/1997) عن الحاخام (شمار ياشوف) تصريحاً أدلى به من المزرعة التي تقيم فيها (ميلودي) قال فيه: (قد لا تكون هذه البقرة هي الحقيقية بسبب بعض الشوائب) وأخرج الحاخام عدسة مكبرة ولاطف البقرة وصوَّب العدسة نحو ذيلها وقال: (انظروا هنا تجدون بعض الشعيرات البيضاء) ! ثم اتجه إلى رأسها وصوب النظر نحو عينيها وقال: (لاحظوا . . . إن رموشها تبدأ حمراء وتنتهي سوداء). وقد شكك آخرون في هذا التشكيك كما نقلت ذلك الأوبزرفر في 9/7/1997 فَهَوَّنَ (يهودا اتزيون) الناشط الصهيوني من شأن تلك التحفظات التي أبداها الحاخام المذكور وسارع إلى طمأنة القلقين وقال: (هذه الشعيرات التي شوهدت ستختفي بمضي الوقت وحتى إذا لم تختف فإن الكتاب المقدس يقول: إن شعرات قليلة لا تنفى الطبيعة المقدسة للبقرة إذا كانت كلها حمراء).

إن مشاعر التعجل لدى متعصب اليهود لا تريد أن يخرج الناس من أجواء الأوهام الألفية الخلاصية فهم يجنون أنضج الثمرات من تأجيج أحاسيس الدنو القريب لعصر النهاية (السعيد) ولا يدري هؤلاء البؤساء أنهم سيخربون بيوتهم بأيديهم وبأيدي المؤمنين في نهاية المطاف ولكنهم مصروفون عن هذا ومصرون على النفخ في كير الحرب الدينية القادمة حتى إن (اتزيون) المذكور آنفاً وغيره من المتعصبين يعتقدون كما نقل عنه في التصريح السابق أن رماد البقرة الحمراء سيحول مجموعات اليهود المتدينين القلائل إلى حركة جماهيرية واسعة الانتشار!

هل لنا موقف من البقرة ؟

نحن بطبيعة الحال لا يعنينا من شأن تلك البقرة شيء سواء في شكلها أو وصفها أو سنها أو زمان ومكان خروجها ولكن الذي يعنينا هو ما تمثله تلك البقرة من كابوس يمكن أن يثير من الأحداث ما يتعاظم على السيطرة وقد عودنا اليهود خلال الخمسين عاماً الأخيرة أنهم أكفأ البشر في تسويق الأحلام واستثمار المصائب لصالحهم. قد يتشبث اليهود بتلك البقرة بالذات ليكملوا نسج بقية الأسطورة بين يديها أو قرنيها وقد يستبدلونها بعد حين بأخرى أكثر مطابقة للمواصفات التي تليق بأمة متنطعة تريد أن تكرر حديث الصفات النادرة عن البقرة الصفراء الفاقع لونها مع البقرة الحمراء الخالص حَمارُها.

أما المعتقد الأصلي في البقرة والموجود الآن في نسخ التوراة المتداولة فلا نصدقه ولا نكذبه فقد يكون من الشرائع المنسوخة وذلك تسليماً بالهدي النبوي المذكور في الحديث الشريف: ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: آمنّا بما أُنزل إلينا وما أُنزل إليكم)) ولكن المقطوع به أن تلك (الفريضة الدهرية) كما وصفوها لا تمت إلى الدين المقبول بصلة بعد بطلان الشرائع بشريعة النبي الخاتم s.

وهنا أمر أود الإشارة إليه وهو أنني لا أستبعد أن يكون ظهور بقرة حمراء مطابقة لما يتطلع إليه اليهود من تلاعب الشياطين فيكون لهم بالبقرة التي يريدون إمداداً لهم في الغي فيظنون أنهم قد وصلوا إلى عتبة عصر (الطهارة) وينتهي الأمر بهم إلى مزيد من الانصراف عن الحق كما قال سبحانه: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آيةٍ لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) (الأعراف:146) .

ويمكن أن يكون هذا التلاعب الشيطاني بهم مثيلاً لتلاعبه بهم في شأن انتظار نبي خاص بهم من نسل داود جعلهم يكفرون بعيسى عليه السلام ويكفرون بمحمد s مصرّين على انتظار هذا النبي الموعود. قال ابن القيم رحمه الله: (ومن تلاعبه بهم -يعني اليهود- أنهم ينتظرون قائماً من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال فهم أكثر أتباعه).

البقرة ونجاسة الشعب المختار

 من أعجب أمور اليهود أنهم لا يزالون يؤمنون عن يقين بأنهم (شعب الله المختار) حتى تقوم الساعة! والأعجب من ذلك أنهم يعتقدون بالقدْر نفسه من اليقين بأنهم شعب (نجس) منذ عشرات القرون لماذا؟ لأنهم قارفوا نجاسات عديدة لا يمكن التطهر منها حسب شريعتهم إلا برماد البقر الأحمر ضمن طقوس لا تمارس إلا في الهيكل وبما أن الهيكل غائب منذ ألفي عام وعقمت معه الأبقار أن يلدن واحدة حمراء خالصة فإن (النجاسة) ظلت ملازمة للشعب اليهودي بكامله. جاء في توراتهم في سفر العدد الإصحاح 19: (هذه هي الشريعة إذا مات إنسان في خيمة فكل من دخل الخيمة وكل من كان في الخيمة يكون نجسا كل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس وكل من مسّ على وجه الصحراء قتيلاً بالسيف أو ميتاً أو عظم إنسان أو قبراً يكون نجساً). والذي مس ماء النجاسة يكون نجساً وكل ما مسه النجس يتنجس والنفس التي تمس تكون نجسة!! فمن إذن من الشعب (المختار) بقي طاهراً ؟! المشكلة هنا ليست في النجاسة فكل الكفار والمشركين نجس ولكن المشكلة أنهم يعتقدون أن هذا النوع من النجاسة لا يزول إلا برماد البقرة المحظية في نهاية الألفية جاء في الموضوعة الدينية اليهودية: (إن البقرة الحمراء يجب سحبها خارج القدس وبعد ذبحها يجب حرقها بكاملها بعد إضافة خشب الأرز وأعشاب أخرى ويشرف على هذه الطقوس حاخام أو كاهن ويستخدم الرماد في التطهر وطرد الأرواح الشريرة التي يمكن أن تنتقل إلى اليهود من الموتى لو مسوا جثمانهم).

والظاهر أن نجاسة اليهود من أكثر ما يؤرقهم حتى إن التلمود الذي وضعه الحاخامات تفسيراً للتوراة يدور سدسه تقريباً حول كيفية التطهر من النجاسات وجاءت البقرة أو هكذا ظنوا لتكون فاتحة لعهد من الطهارة يستقبلون به عصراً من الأمجاد والله يعلم أن جميع البقر الأحمر والأبيض والأسود لو صُيِّرَ رماداً ثم خُلط بماء البحر الأحمر والأبيض والأسود ثم أغرقت فيه أمة اليهود كلها لما تطهر واحد منهم من نجاسة الكفر إلا إذا دخل في دين التوحيد وآمن برسالة خاتم الرسل وسيدهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين، قال تعالى:

(قل يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير  قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة:15-16).

أما هؤلاء فإنهم لا يزالون في أسر الآصار التي كانت عليهم لا يبغون عنها فكاكاً وقد نقلت صحيفة الرأي العام الكويتية عن إحدى الصحف الإسرائيلية في (5/3/1998) أن حواراً أجري مع واحد من أبرز الحاخامات الإسرائيليين ويدعى (البويم) حول العديد من الأسئلة الحائرة الدائرة حول البقرة فكان من ضمن الأسئلة: هل تكفى بقرة واحدة لخمسة ملايين يهودي ملوثين بالنجاسة؟ فأجاب: (أجل، ولسنواتٍ كثيرة أيضاً، لقد دون في التوراة أن البقرة الحمراء الأولى أعدت على عهد موسى أما الأبقار التالية فقد أعدها عزرا، فخلال فترة الهيكل الثاني أعدوا ثماني بقرات، إذن فالعدد كله تسع بقرات، ونحن الآن في زمان البقرة العاشرة) إذن، فأمر البقرة سواء كانت هي تلك التي أعلنوا عنها أو غيرها مما يمكن أن يعلنوا عنه ليس بالأمر الهامشي في حياة اليهود في هذه الأيام خاصة أنهم يرون أنفسهم قد قطعوا من الطريق أطوله نحو عهد الهيكل الثالث وعلماً بأن ما يقرب من 95% من الطقوس العبادية اليهودية التي تؤدى في الهيكل يحول بين اليهود وبين ممارستها ما يسمونه ب‍ (نجاسة الموتى)، بل إن بعض الحاخامات يتحدثون عن استحالة افتتاح الهيكل للعبادة بأيدي (أنجاس) واستحالة تمكن هؤلاء من القيام بشؤونه وطقوسه قبل تطهرهم برماد البقرة !! ولله في خلقه شؤون ! كيف إذن سيبنون وكيف يجهزون وهم أنجاس ؟ الله أعلم !

أما عن كيفية التخطيط العملي لهذه (الطهارة) الجماعية فهذا سؤال توجهت به صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية في (2/3/1998) إلى أحد الحاخامات الكبار فقال: (سنحرق البقرة قبالة موضع الهيكل من جهة الشرق، وبالامكان أن نضيف إليها بعض الأشجار، وبعد ذلك نخلط الرمد بعضه ببعض ومن ثم يتم وضع الرماد في أنابيب وتوزع في أرجاء البلاد) !! شيء قريب من توزيع مياه الشرب أو الغاز . . . إنها ألغاز !! فماذا إذن عن الملايين العشرة الباقين من اليهود خارج البلاد؟! الظاهر أن الرماد سيُصدّر إليهم في مغلفات معقمة من قوارير، أو أنه سيكون مدعاة قوية لهجرات جديدة إلى أرض الميعاد . . . والرماد!

موعد الميلاد . . . وموعد الذبح

الموعد الذي ولدت فيه البقرة سيحدِّد بدقة الموعد الذي ستُذبح فيه فعلى حسب المفاهيم اليهودية لا بد أن تذبح البقرة بعد أن تتم ثلاث سنوات وهناك اختلاف معلن في تحديد الموعد الذي ولدت فيه فالبعض داخل (إسرائيل) يقول إنها ولدت في شهر أغسطس/آب من عام 1997م وهناك من يقول إنها ولدت في يناير/كانون ثاني من العام نفسه وعلى هذا فهي ستتم عامها الثالث إما في يناير من عام 2000م أو في أغسطس/آب من العام نفسه. وعلى هذا يكون العام 2000م عاماً مصيرياً في عمر البقرة وفي عمر اليهود حيث تتوقع جماعاتهم الدينية أن عصراً جديداً سيحل في الأرض المقدسة بعد ذبح البقرة في بيت المقدس أو في (أورشليم) كما يسمونها !

ومع (أورشليم) التي يجري إعدادها أيضاً لعهدها الجديد قبل العام 2000م سيكون حديثنا في الحلقة القادمة –إن شاء الله- . . .


 

الحلقة الرابعة

عمران بيت المقدس … ومصير الحل (النهائي)

هذه الحلقات تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن الميلادي الذي أوشك على الانتهاء. ولا يفصل بيننا وبين العام 2000 للميلاد سوى شهور معدودة، ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام، مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا، وذلك كلما اقترب الوقت من العام 2000 وما بعده، وهي قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل.

وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر، وتحليل أسبابها، ودوا فعها، ورصد التوقعات المنتظرة بسببها، يتم نشرها - إن شاء الله - في حلقات منفصلة.

قبل أن يلفظ القرن العشرون أنفاسه الأخيرة، يُراد منه أن يشهد الفصل الختامي الذي يُسدل فيه الستار على المشهد الأخير من قضية (بيت المقدس).

  1. فقبل العام 2000م يريد اليهود من العالم أن يحسم اختياره المتردد لصالح اختيارهم الحاسم بالابتلاع ( الأبدي ) للقدس، عاصمة موحدة لدولتهم، وسيكون هذا المحور الرئيس في المعركة الانتخابية في 17/5/1999م.
  2. وقبل العام 2000م تريد حامية النصارى -الولايات المتحدة الأمريكية- أن تُنفِّذ قرار الكونجرس الملزم بنقل سفارتها إِلى القدس في موعد أقصاه 31/5/1999م.
  3. وقبل العام 2000م لا بد أن يرى العرب المصير الذي ستؤوك إِليه قضية القدس، وهل ستصبح عاصمة للدولة الفلسطينية المقرر لها أن تعلن في 4/5/1999م بعد المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي، أم أن القضية برمتها ستعود من حيث بدأت، فيراجع العرب مع أنفسهم حساب الربح والخسارة في مسيرة الحرب والسلام ؟!

ستشهد الشهور القادمة حسم هذه المسائل الثلاث، سلباً أو إِيجابياً. والسلب والإِيجاب هنا، ليس أمراً قدرياً محضاً من قبيل المصادفات؛ ولكنه السلب والإِيجاب الذي يحكمه قانون الأسباب، وهو من القدر أيضاً. بمعنى آخر: فإن الأسباب المبذولة من كل طرف لنصرة قضيته ودعمها بعد فهمها هي التي ستوجه المؤشرات نحو هذا الحل أو ذاك. (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْض) (محمد:4).

إِن هذا الأمر يدعونا إِلى أن نطرح سؤالاً كبيراً يحوي أسئلة ثلاثاً وهي: ماذا تعني (القدس) بالنسبة لليهود، وماذا عملوا من أجلها على مدى خمسين عاماً؟ وماذا تعني (القدس) بالنسبة للنصارى، وماذا عملوا من أجلها على مدى تلك الخمسين وما قبلها؟ وماذا تعني (القدس) بالنسبة للعرب والمسلمين؟ وماذا عملوا من أجلها خلال ما مضى من عمر القضية؟!

مَنْ مِن هذه القوى يملك خياره؟ بل مَنْ منها سيفرض خياره؟

ماذا تعنى القدس عند اليهود؟

هم يطلقون عليها (يورشلايم) أو (أورشليم)، أي: مدينة السلام، التي سيقودون العالم منها تحت قيادة (ملك السلام)! هكذا نسبوا للتوراة. ففي التوراة كمّ كثيف من الحديث عنها؟ حيت ذُكرت فيها نحواً من ستمائة وثمانين مرة، ويطلق اليهود على القدس أيضاً (صهيون) نسبة إِلى الجبل الموجود فيها والمسمى بهذا الاسم الذي انتسبت إليه الحركة الصهيونية، ويطلقون على القدس أيضاً -كما في التوراة- (مدينة الإِله) و (مدينة العدل) و (مدينة الحق) و (مدينة الشعب المختار) وأيضاً يطلقون عليها (أريئيل) يعني: أسد الله. وكل هذه المعاني تشير إِلى مغزىً واحد، وهو ارتباط تلك المدينة بالعقيدة والشريعة اليهودية؛ حيث فرضت تلك الشريعة على اليهود أن يحجوا إِليها ثلاث مرات في العام، وأن يتوجهوا إِليها دون أرضٍ غيرها في العالم.

وحيث شُرِّد اليهود عن تلك الأرض، ودُمِّر المعبد المُتخَذ قِبلةً فيها دون أن يستطيعوا العودة إِليها أو إِعادة معبدها عبر ألفي عام، فهل يَسهُل عليهم بعد أن عادوا إِليها أن (يتنازلوا) عنها كلها أو بعضها لقوم آخرين يريدون أن يتخذوها عاصمة؟ هل سيقدِّم اليهود هذه المدينة التي انتزعوها بالدم والدمع –كما يقولون- لقومٍ أضاعوها في أيام، بعدما حفظها أجدادهم طيلة قرون؟!

إِن المدينة التي يحتفل اليهود الآن بذكرى مرور ثلاثة آلاف عام([1]) على بنائها، لا تقبل في تصورهم أن تقسم بينهم وبين غيرهم ما دامت قد وقعت في قبضتهم. والذين يتصورون أن اليهود سُيفرِّطون في القدس أو في أحد شطريها، لصالح العرب، يعيشون وهماً كبيراً، وهم مخدوعون أو مخادعون! فالقدس في معتقد اليهود كلٌّ لا يتجزأ، فهم لا يعترفون بتقسيمها إلى غربية لليهود وشرقية للعرب، بل هي مدينة واحدة موحدة، تقبل الزيادة ولا تقبل التجزئة، وفي التلمود أن (القدس ستتوسع في آخر الزمان حتى تصل إِلى دمشق، وسوف يأتي المنْفِيُّون ليقيموا خيامهم فيها)([2]). وللقدس مكانة مستقبلية في التراث الديني اليهودي، فهي ستكون عاصمة لمسيح الخلاص الآتي من نسل داود، ولهذا يطلقون عليها (الشخيناه) أي: الملكوت الذي سيتنعم منه العالم. جاء في (الأجاداة)([3]): (سيأتي اليهود إِلى القدس وسيأخذونها، وستمتلئ حدودها بالثروة). وفي تفسير التوراة صَّورت (القبالاة)([4]) (أورشليم) وكأنها المكان الذي سيفيض بالخير من السماء، ومنها يوزع على بقية العالم!

ومن اللافت للنظر -أيضاً- أنهم يعتقدون بمقتضى (القبالاة) أن القدس ستعلو أسوارها حتى لا تصل إِليها (قوى الظلام)! وستكون مكاناً مناسباً لتهيئة اليهود وإِعادتهم إِلى التقوى!!

ماذا فعل اليهود من أجل القدس؟!

لقد برهن اليهود، ولا يزالون يبرهنون على أن المعاني العقدية لا بد أن تترجم إِلى وقائع عملية. وفيما يتعلق بالقدس، كان تحويلها إِلى مدينة يهودية خالصة هدفاً ماثلاً أمام كل القوى –على اختلاف توجهاتها- قبل إِقامة الدولة وبعد إِقامتها، ووجدت فكرة (القدس اليهودية) من يحفرها على جدران الواقع الهش، وسط أمة لم تحسن فهم الواقع فضلاً عن التعامل معه.

لقد تقرر اتخاذها عاصمة (دائمة) قبل أن تُتخذ (تل أبيب) عاصمة مؤقتة، وبُدِئَ في تهويدها بالفعل منذ قيام الدولة في عام 1948م، وفي الرابع والعشرين من شهر يونيو من العام نفسه أعلن بن جوريون في الكنييت أن مسألة إِلحاق القدس بإسرائيل ليست موضع نقاش، ثم تم بالفعل إِعلانها عاصمة للدولة في 23/1/1950م. وقامت (إِسرائيل) بنقل كل الوزارات إِلى القدس (الغربية) ريثما يتم الاستيلاء على القدس الشرقية، وفي حرب حزيران 1967م، وبعد يومين فقط من بدء الحرب، اجتاح الجيش الإِسرائيلي القدس الشرقية محققاً الانتصار على مجموع الجيوش العربية التي دخلت الحرب دون استعداد ! ووقتها دخل (موشي ديان) وزير الدفاع الأسبق ليعلن في تصريح أمام حائط المبكى، ما يُظهِر أن القدس الشرقية كانت هدفاً رئيساً للحرب، قال: (لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة، وعدنا إِلى أكثر أماكننا قداسةً، ولن نغادرها أبداً) وقد يقول قائل: إِن مثل تلك التصريحات تقال في أزمنة الحرب من أجل حشد الطاقات ورفع المعنويات، أقول: قد قالها بعد ديَّان (رابين) في أحد مؤتمرات السلام والتطبيع، ففي مؤتمر الدار البيضاء، وفي ضيافة الدولة المضيفة ل‍ِ (لجنة القدس) قال رابين: (إِن القدس الكبرى الموحدة ستظل عاصمة لإِسرائيل لأبد الآبدين) (صحيفة هاتسوفين الإِسرائيلية 12/11/1994م).

أما نتنياهو فإن قضية القدس (الموحدة) بالنسبة له، هي قضية حياة أو موت، وقد وقف أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي في أول زيارة له بعد فوزه في الانتخابات عام 1996م وجهر بعبارة محددة ورددها ثلاث مرات، وكأنه يردد قَسَماً، قال: (أورشليم هي عاصمة إسرائيل الموحدة إلى الأبد … أورشليم هي عاصمة إِسرائيل الموحدة إلى الأبد … أورشليم هي عاصمة إِسرائيل الموحدة إِلى الأبد). ومع تعالي نبرات صوته كلما كرر العبارة، كانت تتعالى أصوات التصفيق الحاد، لتغطي على صوت الميكروفونات، حتى دوَّت القاعة كلها بتصفيق متواصل، وازداد حماساً بعدما وقف جميع أعضاء الكونجرس الأمريكي لتحيته ! وفي أول لقاء له مع بيل كلينتون في حديقة البيت الأبيض، أعلن نتنياهو إِلغاء كل القيود على الاستيطان في القدس.

إِن العبارة التي قالها بن جوريون وكان يرددها بعده مناحيم بيجن: (لا قيمة لإِسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل). هذه العبارة، تنسجم منطقياً مع النظرة الدينية اليهودية للقضية، وتدل على أنهم يَعُون ويعنون ما يقولون، وإلاّ فماذا يصنع اليهود بدولة يعقوب (إِسرائيل) دون مدينة (داود)؟ وماذا يستفيدون من مدينة داود دون معبد (سليمان) الذي ترتبط به صلواتهم وحجهم ومجمل ديانتهم؟

إِن العلمانيين العرب لم يفهموا، أو لم يريدوا أن يفهموا هذه الأبعاد الدينية؛ ولذا فإنهم كانوا ولا يزالون يتخبطون في فهم القضية والتعامل معها، وليتهم إِذ عجزوا أو تعاجزوا عن فهم المعنى الديني … أقبلوا على فهم المغزى التاريخي، فإنه يعطي -خاصة في سياقه الحديث- إِشاراتٍ فصيحة تنبئ عن ثبات الخُطى اليهودية تجاه السيطرة التامة على القدس غربيةً وشرقيةً.

قصة ا لابتلاع:

بعد أن حاز اليهود القدس الغربية بعد حرب عام 1948م، ونالوا من الأمم المتحدة صكوك ملكها في حماية (الشرعية الدولية) اتجهت أنظارهم نحو (القدس الشرقية) وكانت الحرب، وكانت النكسة، وكان الاحتلال، ولم تشأ الشرعية الدولية أن تضفي شرعيتها على هذه (المخالفة) لقرار التقسيم، فأُطْلق على القدس الشرقية وصف: الأرض المحتلة، ومن دون أن تتخذ هذه (الأمم) أي إِجراء مضاد لهذا الاحتلال يوقف المحتلين عند حدهم بعقوبات أو حصار أو تحالف دولي !

أما اليهود: فقد سارعوا إِلى فرض واقع جديد في طبيعة الأرض التي استولوا عليها، والتي لم يقدموا من أنحاء العالم إِلا من أجلها، فبعد أقل من عشرين يوماً من دخولها، صدر قانون يقضي بإخضاع القدس الشرقية لنظم الدولة في إِسرائيل، وبدأ ضمها الفعلي بدءاً من عام 1968م، وفي 30/7/1980م، صدر قانون بضمها بشكل نهائي واعتبارها عاصمة رسمية موحدة للدولة ومَقَرّاً لحكومتها وبرلمانها ومكتب رئيسها. وقد أطلق على هذا القانون: (مشروع القدس الكبرى) وقد تم ذلك لإِعطاء قضية توحيد القدس بُعداً عالمياً في المجتمع الدولي الذي أسهم فعلياً في تسهيل مهمة اليهود في ابتلاع الشطر الأول، تاركاً لهم مهمة تدبير شأنهم مع الشطر الثاني.

ولم يكن على اليهود بعد أن سيطروا على القدس الشرقية -حيث مقدساتنا الإِسلامية- إِلا أن يتفرغوا لفرض واقع جديد، يتم تنفيذه على مراحل: سياسياً وقانونياً وديموغرافياً، فالواقع الديمغرافي المتعلق بالهوية والسكان كان يميل بشدة إِلى جانب العرب المسلمين في فلسطين عندما احتُلت القدس الشرقية، ولكن الكفة ظلت تميد وتميل إِلى جانب اليهود، وفق تصور مبيت وتدبير مقصود. لقد كان سكان القدس من الفلسطينيين عام 1967 م يمثلون نسبة 100%، ولكن هذه النسبة ظلت تنخفض بشكل خطير، ضمن مخطط يهدف إِلى إِيصالها إِلى أدنى حد لها بحلول العام 2000م، وذلك عن طريق مشروع (القدس الكبرى عام 2000م) وهو مشروع يهدف باختصار إِلى تقليص وتنقيص الأرض وسكانها عربياً، وإِنمائها وزيادتها إِسرائيلياً، حيث تقرر -بحسب المشروع- أن تُوسع القدس لتمتد غرباً باتجاه تل أبيب، وجنوباً باتجاه الخليل، وشمالاً إِلى ما وراء رام الله وحتى حدود أريحا شرقاً.

ولتنفيذ هذا المخطط (الذي يهدد ثلاثة أرباع الضفة الغربية) شرَّد اليهود حوالي 60 ألف فلسطيني، وصادروا أملاكهم. أما الأرض الفلسطينية (المحتلة بحكم الأمم المتحدة): فقد أكلتها القوارض اليهودية في هدوء أمام صمت الأمم المتحدة، حتى إِنه في حقبة التسعينات، لم يعد الفلسطينيون يسيطرون إِلا على 21% فقط من مساحة المدينة، تصل -بعد التخفيض- إِلى 4% فقط؛ لأن بقية النسبة تتشكل من مناطق وعرة لا تصلح للسكنى والعمران([5]).

لقد حدثت في المقابل طفرة في إِسكان اليهود بالقدس الشرقية، وخاصة في عهد نتنياهو، وكان أول ما بدأ به استكمال مشروع (البوابات) حول القدس -26 بوابة- وهو مشروع كان (شارون) قد بدأه في عهد (شامير) ليستكمل به تطويق المدينة بأحياء سكنية يهودية.

سكان متدينون لعاصمة دينية:

ليس في دولة (إِسرائيل) الدينية، عاصمة دينية وأخرى علمانية، بل فيها عاصمة واحدة موحدة، يرون أنها عادت بالدين ومن أجل الدين، ولهذا فلا ينبغي أن يسكنها إِلا المتدينون، وهل في هذا الأمر غرابة؟! إِن الغرابة في عكس هذا الأمر، وهو أن تقع المدينة المقدسة في أيدي اليهود بعد قرابة ألفي عام ثم يتركها المتدينون لسُكنى الفلسطينيين ! أو حتى العلمانيين الإِسرائيليين.

إِن تسكين اليهود (المتدينين) لمدينة القدس يسير أيضاً وفق نسق ديني، يرسم معالمه المتشددون من حاخامات وكهنة وطلاب علوم دينية، وتقوم على تحقيقه الجهات المتنفذة من سياسيين وعسكريين.

ولماذا الدينيون المتشددون ؟! لأنهم وحدهم الذين سيعرفون لها منزلتها في الديانة اليهودية، وهم وحدهم الذين سيُخْلِصون في تكثير سوادها([6]) وتعمير مرافقها، وأهم من ذلك، فهم وحدهم الذين سيتصدون للدفاع عنها وعن المشاريع اليهودية الدينية المستقبلية فيها وعلى رأسها (بناء المعبد الثالث)، حيث سيكونون طليعة المستقبلين للملك القادم على كرسي داود –كما يروج لذلك الحاخامات- الذين ينسبون إِلى التوراة على لسان سليمان –عليه السلام-: (أيها الرب إِله إِسرائيل، احفظ لعبدك داود أبي ما كلمته به قائلاً: لا يُعدم لك أمامي رجل يجلس على كرسي إسرائيل إِن كان بنوك إِنما يحفظون طرقهم، حتى يسيروا أمامي، كما سرت أنت أمامي)([7]) فلا بد –وفق هذا النص- أن يكون جيل الخلاص مُخْلصاً لليهودية متمسكاً بها، حافظاً لطرقها، أما المفرطون من العلمانيين واليساريين والاشتراكيين والليبراليين الإِسرائيليين، فلا مكان لهم في الأرض المقدسة إِلا إِذا انضموا إِلى ركب المتدينين !

إِننا نشهد في السنوات الأخيرة عملية حشد أو حشر كبيرة للمستوطنين اليهود في المدينة المقدسة، ولا بد أن نتذكر، أن الاستيطان يقترن دائماً بالتدين والتسليح وليس الحديث المستفيض في وسائل الإِعلام عن الاستيطان اليهودي في القدس إِلا ترجمة لهذا الاتجاه.

والمراقب للأمر يمكنه أن يرصد أن إِسكان القدس للمتدينين أصبح هدفاً تلتقي حوله القوى صاحبة القرار والثأثير في دولة اليهود، وقد اختصر نتنياهو هذا الموقف بتصريح أدلى به أمام شركائه في الائتلاف الحاكم، حيث قال بالنص: (أنا مستعد للذهاب إِلى أبعد الحدود، ولو وصل الأمر إِلى التضحية بتأييد العالم من أجل تنفيذ وصية التوراة بتسكين القدس لليهود وإِعمارها وتحرير أنفاقها) وقال: (كل حلمي هو أن أبني القدس وأُعمرها بالمستوطنات) (أيديعوت أحرونوت: 28/7/1997م).

وهو -بالطبع- يقصد القدس الشرقية، لأن الغربية قد عُمرت بالناطحات لا بمجرد المستوطنات!

وللحقيقة فإن مساعي إِسكان اليهود المتدينين للقدس لم تبدأ بنتنياهو -وإن كانت قد تضاعفت في عهده- وإنما بدأت قبل مجيئه؛ فإضافةً إِلى الحرص الذاتي لدى المتشددين اليهود لسكنى القدس، فقد كان هناك تشجيع رسمي لإِحلالهم فيها، وقد نقلت صحيفة (هاآرتس) الإِسرائيلية في (6/8/1995م) أن وزارة الإِسكان أعدت خطة لإِسكان المتدينين في القدس تشمل 120 ألف وحدة سكنية منها 6500 وحدة بالقرب من مدخل القدس. ومما يدل على أن مشاريع الإِسكان هذه لا تقل أهمية وخطورة عن مشاريع الحرب؛ أن اليهود أَوْكَلوا إِلى الدَّمَوي (أرييل شارون) الذي كان وزيراً للحرب منصبَ وزير الإِسكان([8])، ليحوِّل شراسته في الحرب إِلى شراهة في التهام وتكثير المستوطنات وتعميرها باليهود. وقد أثارت هذه الحُمّى الإِسكانية انتباه المراقبين في الإِعلام الدولي حتى إِن صحيفة (الفيجارو) الفرنسية الصادرة في (16/6/1997م) رصدت الظاهرة، وكتبت تقول تحت عنوان: "غزو حقيقي للقدس": (إِن اليهود المتدينين يقومون بنشاط محموم بالتحالف مع الأحزاب الدينية والحاخامات لجعل القدس مدينة محكومة بتعاليم التوراة فقط)، وذكرت الصحيفة أن غزو المتدينين اليهود (الحريديم) للمدينة ظهرت له آثار عديدة، فقد حصلوا على حق إِغلاق العديد من الأحياء في المدينة في وجه حركة المرور في يوم السبت تمشياً مع تعاليم التوراة التي تحظر أي نشاط –غير العبادة- في يوم السبت، كما أن هناك فِرَقاً مسموحاً لها بأن تأمر النساء بالاحتشام وتنكر على النساء العلمانيات اللاتي يرتدين ملابس غير لائقة، وذكرت الصحيفة أن هؤلاء المتدينين يتلقون الإِعانات والتبرعات من يهود الشتات، ويتفرغون للتعليم الديني، ولا يشاركون في دفع الضرائب، وتعفيهم السلطة من الخدمة في الجيش إِذا أرادوا، وقد قدمت لهم البلدية إِحدى عشرة ومائة قطعة من الأرض مجاناً ليقيموا عليها سبعة وثمانين معبداً يمارسون من خلالها أنشطتهم في أنحاء المدينة. وذكرت صحيفة نيوزويك في عددها الصادر في (9/5/1996م) أن مدينة القدس، أصبحت معقلاً للتطرف اليهودي، وأشارت إِلى أن عدد اليهود غير المتدينين الذين يغادرون المدينة في ازدياد، حيث أصبحت المدينة مكاناً غير مقبول بالنسبة لهم، نظراً للطابع الديني والقيود التي يضعها المتدينون اليهود على الحياة هناك.

والتمدد الديني بدأ يتسرب إِلى باقي أجزاء الدولة اليهودية، فقد نجح المتدينون الذين تسلموا سبع حقائب وزارية في وزارة نتنياهو، إِضافة إِلى رئاسة أهم اللجان البرلمانية وهي (لجنة الدستور) في أن يكثفوا الدعوة إِلى التطبيق الشامل ل‍ِ(الشريعة اليهودية) وقدموا مقترحات رسمية لإِغلاق كافة المصالح التجارية والترفيهية اليهودية يوم السبت، إِلى جانب إِغلاق الشوارع الرئيسة في المدن الكبرى الثلاث: القدس، وحيفا، وتل أبيب أمام حركة المرور، وإغلاق مطار اللِّد في هذا اليوم أمام حركة الطيران الدولية !! وامتثالاً لمطالب المتدينين -أيضاً- حظرت الحكومة على كافة العاملات في البرلمان (الكنيست) ارتداء الملابس القصيرة والسراويل (مجلة المجلة: العدد 855-14/2/1417ه‍) .

والقلق يتزايد في أوساط العلمانيين من نشوب حرب أهلية في القدس بين المتدينين والعلمانيين؛ حتى إِن صحيفة (معاريف) كتبت تقول في عددها الصادر في 14/7/1996م: (إِذا استمرت الأحوال على ما هي عليه في ظل حكم الليكود، فإن العلمانيين لن يستطيعوا المعيشة بالقدس وقد يضطرون إِلى المواجهة، ونقلت الصحيفة عن وزير البيئة في الحكومة العمالية (يوسي ساريد) تخوُّفَه من استسلام العلمانيين للأمر الواقع؛ حيث قال: "إِنني مُحبَط من أن جمهور العلمانيين تركوا الساحة في الواقع في أيدي الدينيين" ! وأظهر استطلاع أجراه معهد (جيئوقرتوجرافيا) أن نصف سكان إسرائيل يعتقدون بإمكانية قيام حرب أهلية بين المتدينين والعلمانيين) (صحيفة هاتسوفين الإِسرائيلية (23/12/1996).

إِن بعض (الواقعيين) العرب بدأوا يراهنون -كعادتهم- على هذا الخطر على دولة (إِسرائيل) وبدأوا ينسجون الأوهام حول احتمال أن تنفجر إِسرائيل بالحرب الأهلية الداخلية، بعد أن أخفق العرب في إِخضاعها بالحروب الخارجية. وهذا التصور، فوق أنه (احتمال) لا ينبغي أن تُبنى عليه المواقف والآمال، فهو احتمال نستبعده لأمرين:

الأول: أن اليهود المتدينين يَعتبرون اليهود غير المتدينين مخزوناً استراتيجياً بشريّاً لهم، ويراهنون على أن قطاعات كبيرة منهم ستصهرها حرارة الأحداث القادمة في بوتقة اليهودية (الأصولية) .

الثاني: أن اليهود العلمانيين لن يُكرههم أحد -وهم علمانيون دنيويون- على البقاء داخل القدس، بل داخل إسرائيل، إِذا داهمهم خطر الحرب والقتل والدم.

بل فوق هذا وذاك يُعِدُّ يهود العالم (الأصوليةَ) اليهودية والنصرانية -أيضاً- لتكون سلاح ردع في وجه (الأصولية) الإِسلامية، التي ينظرون إليها على أنها العدو الأول والأخطر، وهم قد أدركوا تماماً أن جندية: (أمجاد يا عرب أمجاد) المناضلة تحت راية القومية العربية الفاشلة، قد بدأ يتجاوزها الزمان، بعد أن بدأت تلوح في الأفق إِرهاصات القدوم المظفر لجندية (الله أكبر) المقاتلة تحت راية الإِسلام الخالد.

فعلى طريقة: (لا يفل الحديد إِلا الحديد) يبدو أن اليهود عازمون على تصدير غلاتهم ومتشدديهم في صف المواجهة الأول مع مشروع الإسلام الجهادي التحريري في بيت المقدس وما حوله. وما يتناثر من تصريحات اليهود هنا وهناك، يَصُبُّ جميعه في هذا الاتجاه. قال شمعون بيريز -رئيس الوزراء السابق- في مقال كتبه لصحيفة (هاآرتس) الإِسرائيلية في 17/1/1997م: (إِن الشرق الأوسط يقف عند مفترق طرق خطير، لا شيء فيه يمكن أن يبقى كما كان، الوضع يتغير بسرعة، وعلينا أن نختار بين التحول باتجاه سلام يصبح لنا فيه اقتصاد جديد، وبين تحول إِلى التطرف والأصولية، يصبح له سلاح جديد. إنني أرى بوضوح قوة التحول إِلى غير المرغوب؛ إِن التحوُّل الأصولي الإِسلامي الذي يستهدف النصرة من شريحة عملاقة من السكان في العالم الإِسلامي تقدر بمليار و300 مليون رجل وامرأة، تحوُّل لا يعتمد على المنطق، بل على التقديس وقصص الأساطير والمعجزات والوعود بنعيم الجنة، وعلى رأس هذا التحول يقف رجال دين منظمون، ومنظمات إِرهابية في كافة أرجاء العالم، إضافة إِلى دول ترعى الإِرهاب وتسعى للتزود بأسلحة صاروخية ذات رؤوس غير تقليدية، وتستعد لحيازة رؤوس نووية . . إِذن ؛ أردنا أم لم نُرِد، فإننا مضطرون للاختيار -مع القرن القادم- بين السلام، أو مواجهة تعصب القرون الوسطى)! وأردف بيريز قائلاً: (حتى سنة 2000م، سيكون الشرق الأوسط مُسلّحاً من أخمص قدميه إِلى رأسه بالصواريخ ذات المسافات المتنوعة وبأسلحة غير تقليدية، وفوق هذا . . بأصولية عطشى وجائعة، ومن شأن ذلك أن يغري بخوض حرب جديدة، والأكثر من ذلك ربما -وإلى أن تحل سنة 2000م- تتصاعد من جديد المنافسة على زعامة العالم، حيث ستصبح المنطقة ساحة واسعة لمن يحسم الصراع لصالحه) !

وقد أجرت صحيفة (هاآرتس) حديثاً في (22/11/1996) مع بنيامين نتنياهو وسأله الصحفي عن المخاطر الرئيسة التي تواجهها إِسرائيل فقال: (إِن عالم القرن القادم سيكون متعدد الأقطاب وغير مستقر، وسنتعرض إِلى خطرين رئيسين: الخطر الأول: يأتي من داخل الفلسطينيين، أما الخطر الثاني: فسيتمثل في التهديد الإِسلامي من خارج فلسطين، ويتمثل الحل بالنسبة للتهديد الأول في أن نخلِّص الفلسطينيين من حلمهم، فمن الضروري أن يتحرروا من فكرة (الخلاص)، وفيما يتعلق بالخطر الثاني فلا أرى أنه يوجد حل سهل، واعتقد أن حل هذه القضية بعيد عن إِسرائيل، ومع هذا فإني شديد التفاؤل خاصة وأني واثق من أن دولة إِسرائيل ستصبح أكثر قوة مما هي عليه حالياً خلال السنوات القليلة القادمة، وستتحول إِسرائيل إِلى جهة بالغة القوة في عالم ما بعد الصناعة الذي نقتحمه) !

ورغم محاولة نتنياهو تغليف خوفه من (الخطر الإِسلامي) بالتفاؤل، إِلا أننا نلحظ أنه لم يسجل للأنظمة العلمانية خطراً يذكر على إِسرائيل؛ فالإِسلام داخل فلسطين، والإِسلام خارج فلسطين هو فقط الخطر الذي يورق أحلام اليهود.

لأجل هذا الرعب والذعر المتنامي عند كبار زعماء اليهود من (الخطر الإِسلامي) فإنهم يعمدون إِلى استنهاض الهمم اليهودية والنصرانية المتشددة؟ إِلى ما يمكن تسميته ب‍ِ (توازن الرعب) فإلى جانب أسلحة الردع النووية والكيماوية والبيولوجية التي تتترس بها دولة اليهود، فإنها تريد أيضاً حيازة ترسانة بشرية من السلاح (الأصولي) لتخزينه في الأرض المقدسة، ليستخدم عند الحاجة ضد ما أسموه (الأصولية الإِسلامية) !

وما نعتقده، أن (الحشر) اليهودي إِلى بيت المقدس، ومجيئهم إِليه لفيفاً، وعمرانهم إِياه بالبناء والسكنى، ليس إِلا مقدمة ليوم تحتشد فيه قوى الإِيمان في مقابلهم، مصداقاً لقول الصادق المصدوق s: ((لا تزال عصابة من أُمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يَضُرّهم من خذلهم، ظاهرين على الحق إِلى أن تقوم الساعة))([9]).

وبين (الأصوليتين) المتواعدتين قدراً للقاء محتوم على أبواب بيت المقدس، هناك أصولية ثالثة، تتحسس خطاها، وتستحث أتباعها للقدوم إِلى الأرض المقدسة؛ حيث ولد المسيح عيسى –عليه السلام-، وحيث سيعود. إِنهم لا يرون للمسلمين حقاً في هذه الأرض –بشهادة تاريخ النصارى القديم والحديث- بل لا يرون لليهود حقاً فيها إِلا باعتبارهم أداة قدرية تهيئ الدنيا لمقدم هذا المسيح العائد لتعميد اليهود والبشرية كلها في الأرض المقدسة.

فعن هذه الأصولية الثالثة، المتهيئة والمتحفِّزة لاستقبال الألفية الثالثة في الأرض المقدسة وفي احتفالات (بيت لحم 2000م) سيكون حديثنا في لقاء قادم –إِن شاء الله-.

الحلقة الخامسة

ألفية بيت لحم

أضخم تجمع نصراني … ماذا وراءه ؟!

هذه الحلقات تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن الميلادي الذي أوشك على الانتهاء. ولا يفصل بيننا وبين العام 2000 للميلاد سوى شهور معدودة، ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام؛ مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا، وذلك كلما اقترب الوقت من العام 2000 وما بعده، وهي قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل. وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر، وتحليل أسبابها، ودوافعها، ورصد التوقعات المنتظرة بسببها، يتم نشرها - إِن شاء الله - في حلقات منفصلة.

حلول الألفية الثالثة بعد شهور؛ مستجد تاريخي كبير، يتحسب له سكان الأرض بعامة، ولكن المعنيين به بوجه خاص هم النصارى، وهم أكثر أهل الأرض اليوم من أصحاب الديانات السماوية (مليار ونصف) فالألفية مقترنة بالمسيح H وهو نبيهم المرسل إليهم، وإذا كان قد قدم مُرسلاً منذ ألفي عام، فإن النصارى ينتظرون ألفاً أخرى يعيشون فيها في كنفه وتحت قيادته لدى مقدمه الثاني؛ فالألفية ليست ذكرى ميلاد فقط، وليست خصوصية زمان فحسب، بل هي بوابة عبور إلى مرحلة جديدة لعصر جديد تعتقد طوائف من النصارى: أن الأرض كلها ستخضع فيه لدين المسيح. ولكن المسيح العائد؛ لن يعود إلى روما أو واشنطن أو باريس، إِنه سيعود إِلى الأرض التي في أحضانها وُلد، وفي رباها تربى، وفي مناكبها سعى ودعا. إِنها القُدس، فكم تساوي القدس لدى النصارى؟ وماذا تعني عندهم أرض المهد والعهد واللحد([10])؟! إِنها تعني الكثير.

إِن أتباع عيسى H ظلوا ينظرون تاريخياً إِلى اليهود على أنهم أعداء المسيح،المنكرون لدعوته والساعون في أذاه، واعتبر النصارى أنفسهم أوْلى برسالة موسى H التي جاء عيسى H مصدقاً بها ومتمماً لها، وآلت إِليهم بمقتضى ذلك المقدساتُ التي دعت التوراة والإِنجيل إِلى تقديسها، أما اليهود فلم يعترفوا لهم بذلك بل كفَّروهم كما كفّر النصارى اليهود.

((وَقَالَت الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ الَنَّصَارِى لَيْسَتِ اَلْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَاب)) (البقرة: 113) .

وما يعنينا هنا، أنه نشأ ارتباط وجداني وعَقَدي بالأرض المقدسة عند النصارى، جعلهم ينظرون إِليها على أنها إِرث المسيح لأتباعه،بعد أن دنّسها اليهود وتسببوا في هدم هيكلها بإفسادهم مرتين -كما دلت على ذلك سورة الإِسراء. بل إِن النصارى رفضوا أن يُطلق على القدس (صهيون اليهودية) بل أسموها مدينة العهد الجديد، واعتبروها (الوطن المقدس) الذي ورّثه المسيح لهم، واستودعهم إِياه حتى يعود ثانية.

وقد برهنوا تاريخياً على هذا الارتباط عبر عشرين قرناً مضت، اختلفوا خلالها في كل شيء -حتى في ذات الإله- ولكنهم لم يختلفوا على تقديس بيت المقدس خاصة مدينة (بيت لحم) التي فيها ولد المسيح، و (الناصرة) التي فيها ترعرع، ومكان قبره -المزعوم- في القدس.

تاريخ من الضلال:

 كان من المفترض أن يسارع أتباع عيسى H للدخول في دين النبي الذي بشر به عيسى H -تعظيماً واتِّباعاً لعيسى نفسه- فيسلموا للرسول محمد (ص) بالنبوة والرسالة كما طالبوا هم اليهود بذلك لعيسى H ، ولكنهم آثروا العناد فوقعوا في الضلال،  وبسبب ضلالهم هذا فإنهم لم يعترفوا بأن المقدسات التي ورِّثت لهم قد أورثها الله لقوم آخرين كانوا أحق بالحق منهم، ولم يعوا هذه السُّنَّة الإِلهية التي سطرت في الكتب ونزل بها الوحي الخاتم على لسان موسى H: ((إِنَّ الأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) (الأعراف: 128) ، ولهذا؛ فقد ناطحوا الأمة الخاتمة في أرض بيت المقدس وما حوله منذ وقت مبكر من عمر الإِسلام، بدءاً من غزوة مؤتة وتبوك في عصر الرسالة، ومروراً بعصر الخلفاء الراشدين في أجنادين واليرموك، وصعوداً إلى عصور الخلافة المتوالية، وخاصة في زمان الحروب الصليبية التي أثبتت أحداثها العظام أن القدس كانت هدفها الأول والأخير، وانتهاءً بما حدث في احتلال فرنسا لمدينة دمشق حيث وقف الجنرال اللَّنبي على قبر صلاح الدين الأيوبي قائلاً: (ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين!).

ولكن الحروب الصليبية كانت أبرز المعالم التاريخية الدالة على مركزية القدس في معتقد النصارى. نعم! فلأجل تلك المدينة خاضوا حروباً متواصلة تحت راية الصليب؛ لاستعادة القدس من أيدي أمة محمد (ص)، وكان هذا الصدام من أكبر الحروب في التاريخ كله؛ إِذ استهدف توحيد أوروبا دينياً تحت زعامة البابوات، وتشكيل تحالف من كل عروش أوروبا للوقوف في وجه المسلمين في عُقر ديارهم . وقد بدأت تلك الحروب في أواخر القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي، واستمرت حتى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، أرسل الغرب خلالها أكثر من خمس عشرة حملة صليبية كبيرة إِلى بلاد المسلمين، واشتركت فيها كل أوروبا النصرانية، ونجح الصليبيون خلالها في الاستيلاء على بيت المقدس وأقاموا مملكة فيها وسيطروا على المسجد الأقصى. ورفعوا الصلبان على مآذنه نحو ثمانين سنة، ولم تخمد تلك الحروب إِلا بعد أن تأكد للغرب أنَّ استمرار السيطرة على الأرض المقدسة أمر مستحيل في أرض محفوفة بالمسلمين من كل جانب.

ثم طوى الزمان -عبر قرون ممتدة- أحلام أهل الصليب في التمكين للوثنية النصرانية في الأرض المقدسة، وانكفأت أوروبا في شواغلها وصراعاتها حتى جاء القرن السادس عشر الميلادي.

انقلاب جديد في النصرانية:

حدث هذا الانقلاب في القرن السادس عشر باسم الإِصلاح والتجديد في الديانة النصرانية وعُرف بِ‍ (الحركة البروتستانتية)، وغيَّر هذا الانقلاب معالم الديانة النصرانية -الدائمة التغيًّر- ولكن التغيير جاء هذه المرة لصالح اليهود، وكانت إِطاحة هذه الحركة البروتستانتية بحق الكنيسة في احتكار تفسير الكتاب (المقدس) مفتاحاً للولوج إِلى التفسيرات الحرفية للنصوص التوراتية فيما يتعلق باليهود، بل بدأت النصرانية تُخترق بالمفاهيم اليهودية وتختلط بها بعد أن ضم البروتستانت التوراة إِلى جانب الإِنجيل مصدراً أولياً وحرفياً للتلقي، خلافاً لما كان عليه الأمر خلال خمسة عشر قرناً خلت من عمر الديانة.

ولم يأت القرن السابع عشر، حتى ظهرت نظرة غربية جديدة لليهود -أعداء الأمس- فقد دعا الحرفيون البروتستانت إِلى ضرورة احتضان اليهود والتمكين لهم في العودة إِلى الأرض المقدسة، على اعتبار أن مساعدتهم في ذلك سوف يعجل بمجيء المسيح عيسى بن مريم إِلى الأرض مرة أخرى؛ فالتفسيرات الحرفية للتوراة والإِنجيل –بعيداً عن تأويلات الكنيسة- أظهرت لهم أن خلاصة اليهود سوف يدخلون في ديانة المسيح عندما يعود، وبقيتهم من غير المؤمنين به سوف يقتلون مع باقي أعداء المسيح، أما أتباع المسيح من النصارى ومن يلحق بديانتهم فسوف يعيشون مع المسيح في القدس مدة ألف عام قبل يوم القيامة، جاء في الإِنجيل في سفر رؤيا يوحنا: (ها أنا آتي سريعاً، تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إِكليلك، من يغلب فسأجعله عموداً في هيكل الله، ولا يعود يخرج إِلى خارج، واكتب عليه اسم إِلهي واسم مدينة إلهي: أورشليم الجديدة)([11]) وجاء فيه: (مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة، ثم متى تمت الألف سنة، يُحل الشيطان من سجنه)([12]) يعني يرتفع السلام عن الأرض، ويعود الشيطان للإِفساد بين البشر.

أما عن إِيمان أعداد من اليهود بالمسيح عند مقدمه الثاني فيقول الإِنجيل المتداول:  (نادى الله الحي بصوت عظيم إِلى الملائكة الأربعة الذين أعطوا أن يضروا الأرض والبحر قائلاً: لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار حتى تختم عبيد الإِله على جباههم، وسمعت عدد المختومين مِائة وأربعة وأربعين ألفاً مختومين من كل سبط بني إِسرائيل)([13]) .

إذن فالعودة - حسب هذه العقيدة النصرانية - ستكون في (أورشليم الجديدة) وسوف تكون على رأس ألفية جديدة، وسوف تكون في زمان لليهود فيه وجود في الأرض التي سيعود إِليها المسيح، فلا بد أولاً من عودة اليهود . . لكي يعود المسيح!

عودة أم إعادة؟!

تأييد نصارى الغرب لليهود في العصر الحديث، يرجع إِذن إِلى جذور في بنية التكوين الثقافي بعد حركة التغير البروتستانتي، بل لا يكون المرء مبالغاً إذا قال: إِن الفكرة الصهيونية الحديثة ذاتها، ولدت في أحضان النصرانية البروتستانتية قبل أن يرفع هرتزل لواءها بقرون. قال (كينين) –وهو أحد أبرز قيادات اليهود في أمريكا- في كتابه (خط الدفاع الإِسرائيلي): (إِسرائيل كانت أنشودة مسيحية، قبل أن تصبح حركة سياسية يهودية) فالبروتستانت النصارى هم الذين أقاموا الحركة الصهيونية، وشجعوا اليهود للالتفاف حولها، وحتى عندما تردد (هرتزل) في اختيار فلسطين وطناً تقام فيه الدولة اليهودية، أرسل إِليه المبشر النصراني البروتستانتي (وليم بلاكستون) نسخة من التوراة موضح عليها المواضع التي تشير إِلى أن اليهود سيعودون في آخر الزمان إِلى الأرض المقدسة، فاقتنع هرتزل([14]) .

وعندما عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897م كان من أبرز المشاركين فيه القس البروتستانتي (وليام هشلر) وقد دخل إِلى قاعة المؤتمر بصحبة هرتزل وهتف بحياته قائلاً: "يحيا الملك يحيا الملك" ! وعندما جاء دوره في إِلقاء كلمته خاطب الصهاينة المجتمعين قائلاً: (استفيقوا يا أبناء إِسرائيل، فالرب يدعوكم للعودة إِلى وطنكم في الأرض المقدسة).

وبقية القصة معروفة بعد بازل؛ حيث استلمت بريطانيا (البروتستانتية) فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، ثم أعطى وزير خارجيتها (بلفور) (البروتستانتي) لليهود وعداً بوطن قومي في فلسطين امتثالاً لنظرة العطف من حكومة صاحبة (الجلالة) (البروتستانية)، ثم تخلت بريطانيا عن فلسطين بعد أن هيأتها لليهود خلال فترة الانتداب، ثم ساندتها حتى تم إعلان الدولة! فلماذا كل هذا الحماس الإِنجليزي لإِعادة اليهود إلى الأرض المقدسة؟ يجيب الزعيم اليهودي حاييم وايزمان عن هذا في مذكراته فيقول : (إِذا سأل سائل: ما أسباب حماسة الإِنجليز لمساعدة اليهود وشدة عطفهم على أماني اليهود؟ فالجواب على ذلك أن الإِنجليز هم أشد الناس تأثراً بالتوراة، وتَدَيُّن الإِنجليز هو الذي ساعدنا في تحقيق آمالنا، لأن الإنجليزي المتديِّن يؤمن بما جاء في التوراة من وجوب إِعادة اليهود إِلى فلسطين، وقد قدمت الكنيسة الإنجليزية في هذه الناحية أكبر المساعدات)([15]) .

أمريكا وعدوى البروتستانت:

انتقلت تلك الحُمى إلى أمريكا مع الأنجلو ساكسون المهاجرين إِليها،ومع تصاعد القوة الأمريكية في هذا القرن، تصاعد المد البروتستانتي، وتحول في العقود الأخيرة من عقيدة مذهبية إلى عُقد أصولية([16])، وفي أواخر السبعينات الميلادية، شهدت الساحة الأمريكية بروزاً لتيار أكثر تشوقاً داخل أتباع المذهب البروتستانتي الحرفي، وأُطلق على هذا التيار: (الحركة الصهيونية المسيحية) ويُطلق عليهم أحياناً: (الإنجيليون اليمينيون)،وانتساب هؤلاء إِلى الصهيونية - رغم نصرانيتهم - ليس غريبا على قوم يدينون بالتوراة التي تقدس جبل صهيون وما كان عليه من مقدسات، ولهذا فإنهم يتبنّون الدعوة إِلى الدعم المطلق لدولة اليهود من أجل تحقيق الطموحات الإِسرائيلية أو التنبؤات التوراتية في الشرق الأوسط، ويأتي على رأسها السعي لتحقيق مشروع (إسرائيل الكبرى) و (القدس الكبرى) وإِعادة بناء الهيكل، لأنه بكل بساطة سوف يكون مكاناً لدعوة المسيح في القدس التي ستصبح عاصمة له -في معتقدهم- .

لقد بلغ التحول التاريخي في الغرب النصراني من اليهود ذروته في العقود الثلاثة الأخيرة ووقع هؤلاء في فتنة استدراج مُحكمة منذ أن احتل اليهود القدس في عام 1967م، فقد صور لهم الشيطان هذا الحدث على أنه أعظم دليل على أن التوراة حق، لأنها أخبرت عن عودة اليهود إِلى القدس، وأن الإِنجيل حق؛ لأنه أخبر بعودة اليهود إِلى القدس … وما داموا قد عادوا إِليها كما أخبرت الكتب، فلا بد أنهم سيتنصّرون في النهاية كما أخبرت أيضاً.

يقول (هول ليندسي) في كتابه (آخرة كرة أرضية): "قبل أن تصبح إسرائيل دولة، لم يكشف عن شيء، أما الآن وقد حدث ذلك، فقد بدأ العد العكسي لحدوث المؤشرات التي تتعلّق بجميع أنواع النبوءات. واستناداً إِلى النبوءات فإن العالم كله سوف يتمركز على الشرق الأوسط، وخاصة إسرائيل في الأيام الأخيرة".

أما الصراع الدموي التاريخي بين اليهود والمسيحية، فقد مسحته تلك النبوءات والأحلام المتحققة، وتحول أعداء المسيح إِلى حلفاء، بعد أن بُرِّئوا من دمه. وإِلى أصدقاء بعد أن أصبحوا علامة على قرب مقدمه.

لقد تنامى هذا التيار (الصهيوني المسيحي) بشكل جارف في سنوات معدودة؛ فبعد نحو خمس سنوات من ظهوره في أواخر السبعينيات الميلادية، كانت الإحصاءات تشير إِلى ظهور نحو (250) منظمة إنجيلية موالية لإِسرائيل من مختلف التخصصات والواجهات، تعكس آراء ورغبات نحو 40 مليون أمريكي إِنجيلي([17])، وقد نجحوا في توسيع رقعة التأييد الشعبي المطلق لليهود –إِضافة إلى التأييد الرسمي- وذلك عن طريق تنظيم المهرجانات للتضامن مع اليهود وتجمعات ما يسمى بِ‍ (الوعي بإسرائيل) التي تقيمها الكنائس الإنجيلية، وبعض هذه المنظمات تنظم الجولات للأرض المقدسة، وبعضها يعد المطبوعات ويعقد المؤتمرات، وبعضها ينغمس في الدعم السياسي والمالي المباشر لدولة اليهود، ويقوم بمختلف عمليات الضغط سواء عن طريق استكتاب الرسائل، أو عن طريق وسائل الإِعلام التي يعبرون فيها بقوة عن تأييدهم لإِسرائيل.

لقد غدا تحقيق أهداف (إِسرائيل) من علاقتها بالغرب هدفاً لهذه المنظمات، ولم يُقصِّر الأمريكيون من النصارى الصهاينة في دعم دولة اليهود بكل مستطاع، حتى إِن بنيامين نتنياهو عندما كان سفيراً لدولته في الأمم المتحدة خاطب جموعاً منهم في 6/2/1985م وقال لهم معترفاً بجميلهم وجميل كل النصارى تجاه اليهود: "لقد كان هناك شوق قديم في تقاليدنا اليهودية للعودة إِلى أرض إِسرائيل، وهذا الحلم الذي ظل يراودنا منذ 2000 سنة، تفجّر من خلال المسيحيين الصهيونيين" وقال: "المسيحيون ساعدونا في تحول الأسطورة الجميلة إِلى دولة يهودية"، وأضاف: "إِن الذين يستغربون مما يظنون أنه صداقة حديثة بين إسرائيل ومؤيديها المسيحيين، يجهلون أمر اليهود أو المسيحيين، إن هناك روابط روحية تشدنا بإحكام وثبات، إنها شراكة تاريخية أدت وتؤدي دورها بشكل جيد لتحقيق الأحلام الصهيونية"([18]).

أما بعد أن أصبح نتنياهو رئيساً لوزراء اليهود في دولتهم، فقد أشرت في الحلقة السابقة إِلى أنه قد قوبل بحفاوة بالغة في الكونجرس الأمريكي، وواجهه أعضاء الكونجرس جميعاً بعاصفة من التصفيق بعد أن هبُّوا وقوفاً لتحيته عندما ردد أمامهم فيما يشبه القسم عبارة: (القدس هي العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل) ثلاث مرات.

لقد تبنى الكونجرس الأمريكي الذي يسيطر عليه اليمينيون بشكل كامل النهج الإِسرائيلي فيما يتعلق بالقدس؛ فقد وافق في قراره رقم 570 في 24/10/1995م على مشروع القانون الذي تقدمت به وزارة الخارجية لتخصيص مبلغ مائة مليون دولار لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إِلى القدس، وكانت الموافقة بأغلبية 406 أصوات مقابل 17 صوتاً، واشترط الأعضاء أن يتم نقل السفارة في موعد أقصاه يوم 31/5/1999م، مع إعطاء الرئيس حق التأجيل لمدة لا تزيد على ستة أشهر (أي حتى بداية عام 2000م) بشرط أن يكون ذلك أمراً تتطلبه دواعي الأمن القومي الأمريكي ! ولم ينتظر المحمومون بألفية القدس حتى يحل موعد نقل السفارة، بل ظلت أصواتهم تعلو بهذا المطلب حتى لا يبرد أثر القرار، فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز في منتصف نيسان من عام 1997م إِعلاناً عجيباً مُوقّعاً بأسماء عدد من كبار القساوسة الأمريكيين من أعضاء ما يسمى بِ‍ (الاتحاد المسيحي نحو القدس الموحدة) جاء فيه: "إِن الاتحاد يدعم سيطرة إِسرائيل الكاملة على القدس، ويعتبرها العاصمة الروحية والسياسية لليهود وحدهم خلال ثلاثة آلاف عام خلت بحكم الإِنجيل والتوراة" وطالب الإِعلان بالمشاركة في "معركة القدس" التي قد بدأت (مع من؟) والتي يجب الوقوف مع اليهود فيها، وطالب الإِعلان الأمريكيين بإمطار البيت الأبيض والكونجرس برسائل تطالب بنقل السفارة الأمريكية إِلى القدس دون إِبطاء.

وماذا عن الفاتيكان . . الذي كان ؟!

يعكس موقف الفاتيكان مواقف الكنائس الكاثوليكية التي كانت تعتقد بأن المسيح مدفون في الأرض المقدسة بعد أن صلبه اليهود، ولهذا، فقد ظل الكاثوليك يرفضون تاريخياً سيطرة اليهود على بيت المقدس ولا يشجعون عودتهم([19])، فلما عادوا، أعاد الكاثوليك النظر في نظرتهم العدائية لليهود، وصدر في عام 1961م بيان من المجلس العالمي للكنائس يدين العداء للسامية ويعفي اليهود من المسؤولية التاريخية في صلب المسيح، ثم أُتبع ذلك بتبرئة رسمية، ثم حذفت سائر الأدعية والصلوات التي كانت تتضمن إِدانة لليهود في عبادات الكنيسة الكاثوليكية، ثم حصل لقاء تاريخي بين (البابا) وشمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وكان ذلك في بداية الثمانينات وقد بدا (البابا) في الصور منحنياً أمامه ليصافحه. وفي عام 1993م، اعترف الفاتيكان رسمياً بدولة اليهود إِلا أنه ظل إِلى الآن متحفظاً على (التنازل) عن القدس عاصمة لهم، ولا ندري عن السر في الاستمرار في هذا الموقف: فهل هو بسبب الشك في أسطورة صلاح حال اليهود في آخر الزمان؟ أم بسبب استمرار العداوة التاريخية والعناد بين الكاثوليك والبروتستانت؟ أم بسبب عدم الموافقة على قرب موعد مجيء المسيح، أم لأسباب أخرى؟ المهم في ذلك أن الفاتيكان لن يقر بحيازة المسلمين للقدس في دولة فلسطين أو غيرها؛ فالقدس هي القدس عند الكاثوليك والأرثوذكس: عاصمة المسيح والمسيحيين، لا عرفات ولا بنيامين، أما قرار الاتحاد الأوروبي بتأييد قيام دولة فلسطينية، فليس فيه إشارة إِلى أن تكون القدس عاصمة لها.

ونصارى فلسطين ؟!

يمكن معرفة موقفهم من المذكرة التي أعدها البطاركة وزعماء الطوائف النصرانية في القدس، والتي نشرت في 14/11/1995م، فقد طالبوا فيها بتحويل القدس إلى "عاصمة للجنس البشري" !! وأكد أصحاب المذكرة أن الرب اختار القدس مكاناً لسكنه –تعالى الله عن زعمهم- وأن القدس هي مكان الخلاص، وفيها ولدت الكنيسة، ولفتت المذكرة النظر إلى أن سِفْر الرؤيا قد بشّر بمجيء المسيح إِلى "القدس الجديدة"، المدينة التي سيمسح فيها الرب كل الدموع ! وقالت المذكرة: "إِن القدس بالنسبة لكل مسيحي هي منبع الحياة؛ فكل مسيحي يُولد في القدس، والوجود في القدس يعني الوجود في بيت الرب" !

وإجمالاً؛ فإن نصارى العالم يتخذون موقفاً موحداً برفض سيطرة المسلمين على القدس، وينقسمون على أنفسهم في شأن السماح لليهود في اتخاذها عاصمة، وقد عبرت (السفارة المسيحية الدولية) عن موقفها الداعم لليهود والذي كُشف عن بعضه في كتاب صدر عام 1993م بعنوان: (بابل أو القدس) لمؤلفه (يان فيلان دارهوفن) جاء فيه: "تعارض السفارة مطالب المسلمين في البيت المقدس، وتطالب بالتسامح تجاه اليهود الذين يطالبون بالصلاة فيه، وتؤكد على حق (إِسرائيل) في جعل القدس عاصمة موحدة لهم" ثم قال مؤلف الكتاب: "إِن المسيحيين الدوليين واثقون أنه على الرغم من أن الرب ترك القدس زمناً طويلاً، فإنه سيعود إِليها في صورة ابن الملك داود، الملك المسيح الذي سيحكم من المدينة. وعندئذ ستجتذب القدس إليها جميع شعوب المنطقة وحكامها! وهذا الواقع الجديد سيكون تحقيقاً لرؤيا آخر الأيام التي سينتج عنها سلام وعدل عالميين، والمسيحيون يؤمنون بهذه الرؤيا، لذلك؛ فهم يعتقدون أن الصلاة من أجل مصير القدس معناها صلاة من أجل خلاص الكرة الأرضية جمعاء"!

في بيت لحم يجتمعون:

(بيت لحم 2000) عنوان لذاك المهرجان العالمي النصراني؛ حيث تتواتر الأخبار عن حشد متحفز، وتسابق مستنفر لحضور تلك الاحتفالات؛ حيت قدرت بعض المصادر عدد من سيحضرون إِلى القدس في أواخر هذا العام الميلادي وأوائل العام بعده بنحو مليون ونصف، ثم زادت التقديرات إِلى مليونين، وبعد أن تأكد حضور (البابا) لتلك الاحتفالات قدرت بعض الأوساط القادمينَ بثلاثة ملايين (الوسط: 4/1/1999م) . في حين بالغت مصادر أخرى فأوصلتهم إِلى ستة ملايين (المجتمع: 2/3/1999م) . ومهما يكن من أمر، فإن تلك الجموع القادمة للاحتفاء بالألفية قد تخرج عن نطاق السيطرة إِذا ما حاولت بضع (مئات) أو (عشرات) من تلك الملايين استغلال المناسبة استغلالاً سيئاً، خاصة أن بيت لحم واقعة الآن تحت حكم السلطة الفلسطينية، فلا حاجة لِ‍ (إِسرائيل) بمهد المسيح في بيت لحم التي كانت جزءاً من القدس حتى زمان الانتداب البريطاني.

ومن المقرر أن يشارك العديد من القادة والزعماء العالميين في إِحياء تلك الذكرى الألفية، وعلى رأسهم بابا الفاتيكان، والرئيس كلينتون، والرئيس الروسي بوريس يلتسين الذي انضم مؤخراً إِلى هيئة رئاسة الاحتفالات.

وقد رصد للاحتفالات مبلغ 322 مليون دولار، وسيشارك الأردن في تلك الاحتفالات لوقوع منطقة (المغطس) الذي عُمِّد فيه المسيح في أراضيه في المنطقة المحاذية لنهر الأردن، ولكن السلطة الفلسطينية هي المنظّمة الأولى لهذه الاحتفالات !

ولكن كيف ينظر الإِسرائيليون لهذا القدوم أو الهجوم النصراني الذي لم يشهدوه من قبل ؟! إِنهم بلا شك سيحاولون استغلاله لصالحهم، ولكنهم مع ذلك لا يخفون مخاوفهم وعدم تفاؤلهم بهذه المناسبة ؟ لأنهم يعلمون أن للنصارى -رغم تأييدهم لإِسرائيل- حساباتهم الخاصة، وخاصة طوائف الإِنجيليين النشطة الذين ينظرون إِلى (إِسرائيل) على أنها (مرحلة) ممهدة وأخيرة قبل زمن المسيح.

نشرت صحيفة (كول عمير) الإِسرائيلية، أن هيئة مكافحة الإِرهاب في مكتب رئيس الوزراء (نتنياهو) تنظر إِلى الألوف من الحجاج المسيحيين الذين سيأتون إِلى الأراضي المقدسة بمناسبة الاحتفالية الألفية الثالثة على أنهم أشخاص خطرون على الأمن، وذكرت الصحيفة أن الاستعدادات تجري لمواجهة مخاطر يمكن أن تنجم عن وصول أكثر من مليوني سائح وزائر في احتفالات بيت لحم 2000 .

وذكرت الصحيفة أن الأوساط الإسرائيلية رغم انفتاح شهيتها لهذه الطفرة السياحية، تتوتجع وصول مجموعات (راديكالية) من المنظمات الأصولية المسيحية الناشطة في أمريكا وأوروبا، وقد تقوم بأعمال إِرهابية بدافع تصوراتها التي ترى أن سنة ألفين ستكون بداية النهاية للعالم، مما يحدو بطوائف منها إلى (طلب الموت) في الأماكن المقدسة قبل نهاية الزمان([20])، وأظهرت السلطات الإسرائيلية أيضاً مخاوفها من أن تقوم منظمات إِسلامية متشددة بضرب أهداف إسرائيلية وسط هذه المعمعة.

إن لهؤلاء الإنجيليين رؤيتهم الخاصة للأوضاع العالمية الراهنة؛ فحسب تقديرهم؛ فإن الزمان يسرع الخُطا نحو نهايته بطريقة قدرية لا تحكمها عوامل سياسية ولا اقتصادية، وإنما تجره إليها عوامل قدرية نحو الفصل الأخير، فصل الصراع (الدرامي) والدامي بحروبه المهلكة التي ستتمخض كما يعتقدون عن جيل الخلاص الذي سيشهد زمان السلام ومسيح السلام.

ولكن؛ أي سلام يتحدث عنه أولئك القسس المدججون بآلة الحرب؟ إِنه السلام الدامي الذي تتقاطر فيه عبرات الدمع من حبات الزيتون، وقطرات الدم من شموع الميلاد.

سألَت الكاتبة الأمريكية (جريس هالسيل) المتتبعة لنشاط هذه الطائفة، أحد هؤلاء الإنجيليين عن معتقدات طائفته فيما يتعلق بالأرض المقدسة في هذه المرحلة من الزمن فقال: "إننا تؤمن أن التاريخ يطوي الآن مرحلته السابعة، وهي مرحلة الذروة، مرحلة إِقامة مملكة المسيح؛ كيف يحكم المسيح من القدس لألف سنة؛ إن كثيراً من اليهود سيتحولون إِلى المسيحية، وسوف يساهمون في مملكته الألفية، وهي مملكة حقيقية على الأرض، تكون القدس مركزها الرئيس".

وسألَته الكاتبة عن الأحداث التي ستسبق هذه المرحلة فأجاب:

 أولاً: عودة اليهود إلى الأرض المقدسة.

 ثانياً: إِقامة دولة لهم فيها تكون عاصمتها القدس، وقد حدث هذا لأول مرة بعد ألفي عام!

  ثالثاً: وصول رسالة الإنجيل إلى جميع الأمم بما في ذلك الشعب الإِسرائيلي.

 رابعاً: عودة الكنيسة إِلى أداء دورها في العالم.

خامساً: وقوع الفتن والكوارث والمعاناة في أنحاء الأرض.

سادساً: اندلاع حرب عالمية نووية([21]) .

وهذه العلامة السادسة هي ثالثة الأثافي، فالمسيح -في زعمهم- سيعود إليهم بعد حرب، وتلك الحرب يرونها عالمية، ويريدونها نووية ويفضلونها (شرق) أوسطية و(شمال) أطلسية و(جنوب) متوسطية فماذا يريد هؤلاء (المجانين) أن يفعلوا بأرضنا الإِسلامية؛ بل بِكُرَتِنا الأرضية مع حلول الألفية؟

هذا ما سنتناوله في حلقة قادمة –إن شاء الله -.

الحلقة السادسة

الألفية الثالثة ... وهواجس الحرب الثالثة

هذه الحلقات تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها ، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن الميلادي الذي أوشك على الانتهاء . ولا يفصل بيننا وبين العام 2000 للميلاد سوى شهور معدودة، ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام ؟ مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا ؟ وذلك كلما اقترب الوقت من العام 2000 وما بعده ، وهي قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل . وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر، وتحليل أسبابها ، ودوافعها ، ورصد التوقعات المنتظرة بسببها، يتم نشرها –إن شاء الله– في حلقات منفصلة.

هل أصبحنا نعيش عصر (الأيام الأخيرة) أيام ما قبل النهاية؟!

وهل صحيح أن حرباً عالمية ثالثة لا بد أن تنشب مع بدايات القرن الجديد ؟

نحن –المسلمين- نقول: العلم عند الله ، لأنه ((لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)) (النمل: 65) ، فالتحديد والقطع جرأة على الغيب ، نربأ بأنفسنا عنه ونبرأ إِلى الله منه ، خاصة إِذا تعلق بعلم الساعة التي ((عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَ هُوَ)) (الأعراف: 187) ، أما أماراتها فأمر يدور بين الظن الراجح والظن المرجوح.

لكن العتاة الغلاة من طوائف اليهود والنصارى يعتقدون بجزم ويعملون بحزم لهذه الأيام (الأخيرة) التي يربطونها بقدوم الألفية الثالثة، حيث يتوقعون أن تبدأ فيها نهاية أيام (العامة) ، لتأتي بعدها أيام (الخاصة) أتباع المسيح القادم للخلاص.

ونحن -المسلمين- لا يهمنا من جزمهم أو حزمهم في معتقدهم هذا إِلا ما يمكن أن يترتب عليه من سياسات وخطوات يمكن أن يقدموا عليها بزعم التهيئة لتلك الأيام الأخيرة([22]) استدعاءً لعلاماتها واستجلاءً لأماراتها .

ففي مسيرة منتظمة في طريق الاستدراج منذ بداية القرن الميلادي الحالي ، نراهم يزعمون أنهم نجحوا في (إنجاز) علامات مهمة من أشراط الأيام الأخيرة، يأتي في طليعتها ما يعدونه أولى وأبرز العلامات وهي: إِعادة اليهود إلى أرض بيت المقدس! ولكن تلك العلامة ستتبعها في معتقدهم علامات أخرى ، وسيعملون أيضا لإِنجازها وإخراجها إِلى حيز الوجود ، وقد ظهر لنا من خلال الحلقات السابقة مدى سعيهم لهدم الأقصى وتسارعهم لبناء الهيكل، وإعلانهم لظهور البقرة الحمراء، وتصميمهم على إِسكان القدس بالمتشددين الدينيين وغير ذلك.

ولكن تبقى هناك علامة أخرى تبرزها مصادرهم العقدية ويؤمنون بحتمية حدوثها عندما تبدأ الأيام الأخيرة في التوالي، وتتمثل في (إِقامة) قيامة صغرى تهيئ للقيامة الكبرى! وتأويل هذا يجيء باشتعال أو إِشعال حرب مدمرة تهلك فيها غالبية سكان الأرض، ففي (الأيام الأخيرة) لا بد أن تقوم حرب بسبب (إسرائيل) وعلى أيدي أحباب (إِسرائيل) وعلى أرض (إسرائيل)! ومن أجل (إِسرائيل)!

تقول التوراة التي في أيديهم: (في الأيام الأخيرة، عندما تتجمع إٍسرائيل من الأمم، سوف تتسبب في أمرٍ ما، هذا ما سوف يحدث . إِني سوف أضع صنارة في أفواه القوى المؤتلفة) وجاء فيها أيضاً: (بعد أيام كثيرة تُفتقد في السنين الأخيرة، تأتي إِلى الأرض المستردة من السيف، المجموعة من جبال إِسرائيل التي كانت خربة للذين أخرجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلهم، وتصعد وتأتي كزوبعة، وتكون كسحابة تغشى الأرض أنت وكل جيوشك وشعوب كثيرون معك).

وهذه الجيوش الكبيرة المعادية ل‍ِ (إِسرائيل) وحلفائها يطلق عليهم في التوراة "جوج وماجوج"، وهم سيأتون إِلى الأرض المقدسة في يوم من الأيام الأخيرة من جهة الشرق كما تتحدث التوراة: (ويكون في ذلك اليوم يوم مجيء جوج على أرض إِسرائيل، يقول السيد الرب: إِن غضبي يصعد، وغيرتي في نار سخطي، تكلمت أنه في ذلك اليوم يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، فيرعش أمامي سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل، والدابات التي تدب على الأرض، وكل الناس الذين على وجه الأرض، وتندكُّ الجبال، وتسقط المعاقل، وتسقط كل الأسوار إِلى الأرض، واستدعي السيف عليه في كل جبالي، يقول السيد الرب: فيكون سيف كل واحد على أخيه، وأعاقبه بالوباء وبالدم، وأُمطر عليه وعلى جيشه وعلى الشعوب الكثيرة الذين معه مطراً جارفاً وحجارة بَرَد عظيم وناراً وكبريتاً)([23]).

أما التلمود الذي فسر به الحاخامات القدامى نصوص التوراة فقد جاء فيه ما يدل على أن (الأيام الأخيرة) ستشهد أحداثاً يكون اليهود محورها؟ فقد جاء فيه: "قبل أن يحكم اليهود نهائياً، لا بد من قيام حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم، ويبقون سبع سنين يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر" وحتى البروتوكولات التي خُطت في العصور المتأخرة تردد ذاك الصدى: "إننا نقرأ في شريعة الأنبياء أننا مختارون من الله لنحكم الأرض، وقد منحنا الله العبقرية كي نكون قادرين على القيام بهذا العمل، إِن كان في معسكر أعدائنا عبقري فقد يحاربنا، ولكن القادم الجديد لن يكون كفؤاً لأيد عريقة كأيدينا . . إن القتال المتأخر بيننا سيكون ذا طبيعة مقهورة لم ير العالم لها مثيلاً من قبل، والوقت متأخر بالنسبة إلى عباقرتهم"([24]).

هكذا تتحدث مصادر اليهود عن معركة الأيام الأخيرة. أما النصارى، فإن الإِنجيل الذي بأيديهم يزيد في التفصيل عن هذه المعركة، بل ينفرد عن المصادر اليهودية بتحديد مكانها الذي ستقع فيه، إنه سهل (مَجِدّو) بفلسطين حيث ستنشب أكبر معركة في التاريخ في وقت العودة الثانية للمسيح. ففي سفر الرؤيا (الإصحاح 16/15)، جاء على لسان عيسى -عليه السلام- وهو يصف وقت مجيئه المفاجئ: "ها أنا آتي كلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عُريته، يجمعهم إِلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية (هَرْمَجِدُّون)".

وهكذا نرى أن الاعتقاد بوقوع تلك المعركة، هو اعتقاد مشترك بين اليهود والنصارى، فاليهود يؤمنون بها وبأن خلاصهم سيأتي بعدها، أما النصارى فيؤمنون بالمعركة ذاتها ولكن على أن خلاصهم هم سيأتي بعدها، ولكن هذا (الخلاص) الموهوم عند الأمتين الضالتين، لن يتم -للأسف كما يعتقدون- إلا بالتخلص من جُل سكان الأرض عن طريق تلك الحرب المدمرة: الهرمجدون.

وأصل كلمة (هرمجدون) عبرية، ومعناها الحرفي: جبل مجيدو، فكلمة (هار) تعني في العبرية جبل، فإذا أضيفت إلى اسم الوادي صار (هارمجيدو) التي دمجت في النصوص القديمة إِلى (هرمجدون).

وأرض مجدو تبعد (55) ميلاً عن تل أبيب، وهي في موقع يبعد (20) ميلاً شرق حيفا، على بعد (15) ميلاً من شاطئ المتوسط، وترتبط في الاعتقاد القديم بأنها الأرض التي كان الفاتحون القدامى يعتقدون أن أي قائد يسيطر عليها يمكنه أن يصمد أمام أعدائه مهما كانت أعدادهم، ويعتقد اليهود والنصارى أن جيوشاً من مِائتي مليون جندي([25]) سيأتون إِلى مجدو للبدء في خوض حرب نهائية، ونصوصهم تدل على أن هذه المعركة سوف تتورط فيها الأمم، أي ستكون حرباً عالمية ولكن أوارها سيشتعل أولاً في منطقة الشرق الأوسط وفي فلسطين بالذات. والنصارى يعتقدون أيضاً أن تلك الحرب سوف تستغرق مدة سبع سنين، وهي مدة كافية تعطي لليهود فرصة كي يروا بأنفسهم كيف ينتقم الله من أعداء المسيح مما يدل على صدقه فيؤمنوا به. ويعتقدون أيضاً -بمقتضى الإِنجيل أنه ستمر سبعة أشهر حتى يتمكن 

(بيت إِسرائيل) من دفن جثت الضحايا وينظفوا الأرض منها.

وتبقى طائفة النصارى الإِنجيليين أو (المسيحيين الصهيونيين) المتزايدة النفوذ في أمريكا اليوم، تبقى هي صاحبة الاهتمام الأول بمعتقد (الهرمجدون) والمجيء الثاني الوشيك للمسيح.
 

الإنجيليون وجيل النهاية:

بعد قرون طوال من تبديل المحرفين المخرفين للتوراة والإنجيل، جاء جيل من المخربين ليدّعوا أنهم جيل النهاية الذي سيشهد (نهاية التاريخ) وهؤلاء تمثلهم في الأساس جماعات الإنجيليين في أمريكا وكندا وإنجلترا الذين يقدر عددهم في الولايات المتحدة وحدها بنحو (90) مليون نسمة. إن الشيطان لم يعثر على صنف من أتباعه أنسب من غلاة طائفة البروتستانت الإنجيلية النصرانية أدعياء التمسك الحرفي بالتوراة والإِنجيل، فهؤلاء يرون أنهم سيعدُّون مسرح الدنيا لتمثيل الفصل الأخير من عمرها؛ فالهرمجدون أو (الهولوكست النووي) أو الحرب العالمية الثالثة هي المعركة المنتظرة التي يؤمن الإنجيليون النصارى بحتمية بل بضرورة وقوعها! ولهذا يروِّجون لها على أوسع وأعلى المستويات في الغرب، وقد أقنعوا بها الرئيس ريجان نفسه حتى تكاثرت التصريحات الصادرة عنه التي تدل على إِيمانه بحتمية وقوعها قبل انقضاء هذا الجيل، فقد نشرت مجلة (سان رييجو مجازين) في آب من عام 1985م مقالاً ل‍ِ (جيمس ملز) الذي كان رئيساً لمجلس شيوخ ولاية كاليفورنيا قال فيه: إن ريجان قال له أثناء مأدبة عشاء حضرها: "إن كل النبوءات التي يتعين تحقيقها قبل معركة مجدو قد حدثت، والفصل 38 من سفر حزقيال يقول: إن الله سيأخذ إسرائيل من وسط الكفار بعد أن يكونوا مشتتين، ثم يلم شملهم مرة أخرى في أرض الميعاد، وقد حدث هذا بعد قرابة ألفي سنة، ولأول مرة في التاريخ فإن كل شيء مهيأ لمعركة مجدو والمجيء الثاني للمسيح".

وكلما اقترب قدوم الألفية الثالثة ازدادت وتيرة الصياح عن الحرب العالمية الثالثة؛ فقد صدرت في السنوات الأخيرة العديد من المؤلفات التي تتحدث عن هذه الحرب، ولاقى بعضها إقبالاً منقطع النظير، منها كتاب: (دراما نهاية الزمن) لمؤلفه (أوترال لوبرتس) وبيعت منه ملايين النسخ، وكتاب: (الكرة الأرضية، ذلك الراحل العظيم) من تأليف (هال لندسي) وقد بيعت منه نحو 18 مليون نسخة، ومؤخراً صَدر كتاب على الشاكلة نفسها بعنوان: (أسرار نهاية العالم)، وقد ألّفه عدد من العلماء وهم: الدكتور الفرنسي (لرجان بير) المتخصص في سيمولوجيا الانثربولوجي والدكتور الإنجليزي (ديفيد) المتخصص في مجال المعلومات، والدكتور اليوناني (ديمتري) المتخصص في علم اللغويات، والدكتورة (ميريام) الإسرائيلية المتخصصة في دراسة اللاهوت، وقد استنبطوا من سفر يوحنا في الإنجيل مادة كتابهم، وجاء في مقدمة الكتاب: "إن حضارتنا هذه ستكون ضحية مرة أخرى لجنون حرب عالمية ثالثة لن تستغرق كثيراً، لأن الأسلحة الموجودة الآن نووية، وستحرك هذه الحرب (يأجوج ومأجوج) الذي تمثلهم الصين في هذا العصر بما تملك من ترسانات نووية موجهة نحو الغرب"، ويتوقع أن يفوق هذا الكتاب ما سبقه من كتب في شدة الإقبال وذيوع الصيت. وإلى جانب ذلك تُقدِّم السينما في الغرب كل مدة أفلاماً مرعبة تصور ما يمكن أن يحدث للعالم إذا نشبت الحرب العالمية الثالثة، منها فيلم: (الشتاء النووي) الذي عُرض في بداية التسعينات وأثار رعباً واسع النطاق. أما في نهاية التسعينات فقد نشرت صحيفة نيوزويك الأمريكية في منتصف أيار 1999م، أن دور السينما الأمريكية ستبدأ في 19 من الشهر نفسه عرض ما أطلق عليه (فيلم القرن) وهو بعنوان: (الشبح . . . ظاهرة نهاية القرن العشرين) وقالت الصحيفة: إِن ميزانية الفيلم قدرت ب‍ِ (115) مليون دولار، وتوقعت الصحيفة أن يُحْدث الفيلم دَوِيّاً غير مسبوق في تاريخ السينما! والمشكلة هنا أن أجواء الحرب يمكن أن تصنع الحرب.

ولا ندري هل هذا الزخم الإعلامي الضخم هو المسؤول عن اللوثات الدينية (الأخروية) في أمريكا، أم أن تلك اللوثات هي التي تصنع ذلك الزخم؟

على أي حال فإن التيار الإنجيلي البروتستانتي الذي يطلق على نفسه: (التحالف المسيحي الصهيوني) أصبح يقود حركة مدّ ديني متنامٍ في الولايات المتحدة، وبات لا يكتفي بالتدخل في السياسة، بل يطمع في توجيهها، ويطمح إِلى الإمساك بزمامها. وللتذكير؛ فإن هذا التيار هو الذي انتخب الكونجرس الأمريكي عام 1994م وسيطر على أغلبيته لصالح الحزب الجمهوري، ولما تباطأ هذا الحزب في التنفيذ الشامل لكل برامجهم الموجهة أعلنت كتلتهم المسماة ب‍ِ (الائتلاف المسيحي) احتجاجها، وحذّرت الحزب بأنه لن يحظى ثانية بتأييدهم في انتخابات الكونجرس القادمة، وأمام هذا التهديد أذعن الحزب الجمهوري لمطالب (الائتلاف المسيحي) الذي سحب تهديده. وقد ظهر اثر وقوفه مع الحزب مرة أخرى في انتخابات تشرين ثاني من عام 1998م التي فاز بها الجمهوريون بأغلبية ساحقة كان سببها التأييد القوي من الائتلاف المسيحي الصهيوني، ويكرر هذا الائتلاف لعبته، فيتوعد الحزب الجمهوري بالتخلي عنه في انتخابات عام 2000م إِذا لم يضع برامجهم الدينية موضع التنفيذ([26])، بل هدد أحد زعماء الائتلاف بنسف الحزب الجمهوري انتخابياً إذا تخلى عن برنامج الأصوليين (الإصلاحي)!

والائتلاف المسيحي -كما يبدو للمتابع- لن يدع فرصة انتخابات عام ألفين تفوته؛ فانتخابات الألفية لا بد أن يحصد ثمرتها (الألفيون) ولهذا؛ فإن مؤسس الائتلاف المسيحي (بات روبتسون) قد بدأ من الآن في إِعداد حملة ضخمة لضمان سيطرة الأصولية الأمريكية على انتخابات القرن الحادي والعشرين التي ستأتي بالحكومة الأولى في الألف الثالثة، وقد سبق لروبتسون أن قاد حملة الحزب الجمهوري عام 1988م، وهو من الأصدقاء الشخصيين لكل من ريجان وبوش، بل إن تكتل الأصوليين الذي يتزعمه هو الذي جاء بالرئيس ريجان ليضعه على رأس أكبر دولة في العالم، وكان الائتلاف مسانداً قوياً لجورج بوش من بعده، وعندما حصلت الانتخابات التي جاءت بكلينتون مرشح الحزب الديمقراطي، كان منافسه فيها (بوب دول) مرشح الحزب الجمهوري، ولكن (دول) لم يفلح في كسب تأييد الأصوليين الإِنجيليين فتخلوا عنه فسقط([27])، وجاء كلينتون الذي أثبت أنه أصولي أكثر من الأصوليين في تأييده للإسرائيليين رغم انتمائه للديمقراطيين.

ويستعد الإنجيليون من الآن لخوض حملة رئاسية عنيفة وفاصلة من أجل تسليم زمام السلطة في أمريكا إِلى رئيس أصولي إِنجيلي أو تابع للأصوليين الإنجيليين في انتخابات عام 2000، وقد بدأ زعيم (الائتلاف المسيحي) روبتسون هذه الحملة باستعدادات وصفها المراقبون بأنها (أسطورية)!

فقد نشرت صحيفة لوس انجيلوس تايمز في 12/3/1999م، أن القس الأمريكي (بات روبتسون) تعهد بإطلاق حملة ميزانيتها (21) مليون دولار لتوجيه الناخبين الأصوليين ودفعهم إلى مراكز الاقتراع في انتخابات عام 2000 للرئاسة ومجلس الكونجرس، وتقضي خطته الانتخابية بتجنيد (مليون و 500 ألف) حركي لضمان صب أصوات (15) مليون ناخب في خانة المرشحين الأصوليين اليمينيين، وفي سياق إِعلانه عن الحملة ذكر القس الأمريكي أن الحركيين التابعين لتحالفه سيُكلَّفون بتوزيع (75) مليون دليل انتخابي خلال الحملة المقبلة، وسيتحركون سياسياً في (100 ألف) كنيسة. أما عن المسائل ذات الاهتمام التي سيركز عليها في حملته فقد قال القس: إِن الائتلاف المسيحي مهتم أساساً بالمسائل الدينية التي تواجه أمريكا، وخارجياً فإن أشد ما يزعجه هو حصول الصين([28]) على أسرار تكنولوجية نووية أمريكية.

ولا يستبعد أن يرشح هذا القس نفسه شخصياً في الانتخابات الرئاسية لعام 2000، فقد سبق أن عزم على ذلك في الانتخابات الرئاسية عام 1986م، وبالرغم من أنه لم يكن يمتلك ما يمتلكه اليوم من إمكانات، فقد علقت صحيفة نيويورك تايمز وقتها على الفرص الكبيرة المتوافرة أمامه للفوز إِذا مضى في عزمه فقالت: "إِن هناك (24) مليون مشاهد للمحطة التلفزيونية المسيحية التي يسيطر عليها (بات روبتسون)، وإن احتمال ترشيحه يستند إِلى لوائح كبيرة من المساهمين والممولين، وكذلك على إقبال كبير من المشاهدين يفوق عددهم عدد قراء صحف التايم ونيوزويك ونيويورك تايمز ولوس أنجيلوس تايمز والواشنطن بوست مجتمعة"! وهذا (الملك) النصراني غير المتوج يؤمن إِيمانا مطلقا بإسرائيل، وبأنها المحور الذي تدور حوله أحداث (الأيام الأخيرة) يقول: "إِن إِعادة ميلاد إسرائيل، هو الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية العالم قد بدأ، كما أنه مع مولدها؛ فإن بقية التنبؤات ستتحقق بسرعة"([29]).
 

الإنجيليون والهرمجدون:

الإِنجيليون حرفيون، ولهذا فهم يؤمنون حرفياً بحديث التوراة والإِنجيل عن معركة النهاية بكل ما فيها من تفصيلات مكانية وزمانية وما يتعلق بها من وقائع وأسماء أشخاص وزعماء وبلدان وبحار وأنهار وأشجار، فليس هناك -في اعتقادهم- معنى ظاهر وآخر باطن في نصوص الكتابيْن، ولهذا؛ فإن حديث التوراة والإِنجيل عن محاربة أنصار المسيح لأعدائهم بالسيف والرمح والخيل لا يدل على شيء آخر غير فناء الحضارة المادية المعاصرة وعودة الناس إِلى الحياة البدائية أو قريب منها!!

والنصوص الدينية التي استعرضنا بعضاً منها، تمثل هواجس دافعة، تؤزّ بها شياطين الجن أتباعها من شياطين الإنس ليرسما سوياً معالم الصورة المأساوية لإِنهاء خلافة الإِنسان في الأرض، والمطّلع على تصريحات رموز وأعضاء هذا التيار الإِنجيلي (المتدين) يشعر بأنه يسمع الشياطين تتحدث على ألسنة البشر؛ فعندها سألت الكاتبة الأمريكية (جريس هالسيل) أحد هؤلاء الإِنجيليين عن السبب في أن إِله الرحمة والسلام يحب –كما يزعمون- أن تقوم حرب نووية مدمرة قال: (يجب أن نتذكر أن الله هو الذي عرَّف الإِنسان بصناعة وإنتاج هذه القوة المدمرة، فهي ليست جديدة على الله، ولن تستعمل دون مشيئته"([30]).

ويقول (هال ليندسي) في كتاب له بعنوان: (العالم الجديد القادم): "فكِّروا فيما لا يقل عن 200 مليون جندي من الشرق، مع ملايين أخرى من قوات الغرب يقودها أعداء المسيح . . . إن عيسى المسيح سوف يضرب أولاً أولئك الذين دنّسوا مدينة القدس، ثم يضرب الجيوش المحتشدة في (هرمجدون) فلا غرابة أن يرتفع الدم إِلى مستوى ألْجِمَة الخيل مسافة 200 ميل من القدس، وهذا الوادي سوف يُملأ بالأدوات الحربية والحيوانات وجثث الرجال والدماء"!! وأضاف: "إِن الأمر يبدو وكأنه لا يصدق! إِن العقل البشري لا يستطيع أن يستوعب مثل هذه اللاإِنسانية من الإنسان ضد الإنسان([31])، ومع ذلك فإن الله يُمكِّن طبيعة الإِنسان من تحقيق ذاتها في ذلك اليوم"!

إذن؛ فالحرب الثالثة عندهم ليست مجرد أمل ينتظر، وإنما هي قدر لا بد من الرضى به، بل والسعي إِليه في نظر هؤلاء المهاويس، أما ما يسمى ب‍ِ (المساعي الدولية للتعايش السلمي) فإنها في نظر الإنجيليين ضرب من تحدي الإِرادة الإِلهية.

ألقى (جيمي سواجارت) القس الأمريكي الإنجيلي الشهير موعظة في 22/9/1985م تحدث فيها، -وكأنه يقوم بمشهد تمثيلي- فقال: "كنت أتمنى أن أستطيع القول بأننا سنحصل على السلام، ولكني أؤمن بأن هرمجدون مقبلة، إِن هرمجدون مقبلة، وسيخاض غمارها في وادي مجيدو، إِنها قادمة، إنهم يستطيعون إن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، ولكن ذلك لن يحقق شيئاً. هناك أيام سوداء قادمهّ ... إنني لا أخطط لدخول جهنم القادمة، ولكن الإِله سوف يهبط من عليائه ... يا إِلهي!! إنني سعيد من اْجل ذلك ... إِنه قادم ثانية، إن هرمجدون تنعش روحي"!.

ولكن ما هو سبب هذا (الانتعاش) الروحي المستمد من روائح الدم وأدخنة الخراب؟!

إنه فصل معاصر من فصول الحقد التاريخي اليهودي على البشر الذي انتقلت عدواه إِلى النصارى الذين كانوا يوماً مَّا من المغرمين بالحديث عن السلام تحت شعار: (الله محبة)! فعقدة (الجويم) أو الكفار أو العامة أو (الجنتيل) الذين خلقهم الله لخدمة اليهود، ولكن خلقهم على هيئة البشر لئلا يستوحش منهم اليهود. هذه العقدة يشارك البروتستانت اليهود فيها، ولهذا؛ فإن الحديث عن فناء (العامة) من غير اليهود وأشباههم من البروتستانت هو من الأحاديث المنعشة لأرواحهم والمسعدة لأسماعهم. قال القس الإِنجيلي البارز (جيري فالويل) في محاضرة ألقاها في 12/9/1984م عن أحداث هرمجدون: "ما أعظم أن نكون مسيحيين؟ إِن أمامنا مستقبلاً رائعاً، نشكر الله أن هذه المعركة سوف تكون نهاية أيام العامة (الجنتيل)؛ لأنها بعد ذلك سوف تعد المسرح لقدوم الرب المسيح بقوة وعظمة"! وأحباب (الهرمجدون) لا يقفون عند حد الأماني (الوردية) بقرب مجيء أيامه الحمراء أو السوداء، ولكنهم يصنعون سيناريوهات (واقعية) يمكن أن تجر الدنيا لمجيئه؛ فقد أجرت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز حديثاً مع القس المذكور (فالويل) في 4/3/1981م، وسأله الصحفي عن تصوره لكيفية حصول الحرب النووية العالمية فقال: "أعتقد أن روسيا ستحدث بها أزمات ، وعلى رأسها أزمة في النفط وسينفذ احتياطيها منه، وعندها سوف تتحرك إِلى الشرق الأوسط وأيضاً نحو إسرائيل، وعندما يحدث ذلك ستنفتح أبواب جهنم"!

وقد أصدر ذلك القس بعد ذلك بعامين كتاباً بعنوان: (الحرب النووية والمجيء الثاني)، عقد فيه فصلاً عن الحرب التي ستشنها روسيا، وتكهن فيه بأنها ستخوض حرباً في الشرق الأوسط ينتج عنها إِبادة خمسة أسداس جنودها كما تنبأ بذلك سفر حزقيال، وقال (فالويل): "بذلك سوف يبدأ الاحتفال الأول بقرب عودة الرب، ثم يأتي الاحتفال الآخر بعد انتهاء معركة الهرمجدون"!

ولكن لماذا روسيا بالذات؟ في الحقيقة إِن روسيا –مع دول أخرى- يزعم هؤلاء الإِنجيليون أن أسماءها قد وردت بالنص في طليعة المشاركين في حرب الهرمجدون، ففي التوراة التي بأيديهم وفي سفر حزقيال على وجه التحديد في الفصل 38،39 يرد اسم (روش) وهي كما يقولون: روسيا! و(ماشك) التي يقولون: إِنها موسكو، و (توبال) التي يعتبرون أنها مدينة (تيبولسك) الكبيرة في روسيا، ويذكر السفر أيضا بلاد (فارس) وهي بالطبع إِيران التي يجزمون بأنها ستكون مشاركاً رئيساً في حرب هرمجدون، ويترجمون بلاد (كومر) بأنها منطقة بلدان أوروبا الشرقية كما كانت تعرف في أزمنة التوراة و(توغارما) التي تعني بلاد القوقاز، ولا ينسون ضم ليبيا التي يعتقدون أنها (بوت) المذكورة في التوراة، ومنطقة القرن الإفريقي مع إثيوبيا وقد يحشرون معها السودان وجنوب اليمن (غومر)، أما العراق فهي (آشور الآثمة) و(بابل الزانية) التي يتحدث كتّاب التوراة عنها بلهجة حنق وغيظ تظن معها أنهم كانوا متحدثين باسم اللجنة الدولية للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل!

أما (إِسرائيل) فهي نفسها إِسرائيل التي نعرفها اليوم، والتي لم يجد مؤسسوها اسماً آخر يصلح لها إِلا ذلك الاسم الذي تذكر به في التوراة في الأيام الأخيرة، والتي ستكون بسببه في بؤرة الأحداث العالمية.

على درب الدمار:

لم يعُد احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة مدمرة من الاحتمالات المستحيلة في ظل السياسات المجنونة للتسلح في العالم، حيث بلغت تلك السياسات نقطة اللاعودة بحيازة الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة الذرية في الأربعينات واستعمالها الفعلي لها في الحرب العالمية الثانية التي حصدت نحو خمسين مليوناً من البشر!

ومن يومها والولايات المتحدة -فض الله وحدتها- تقود العالم إِلى سباق نووي شيطاني لا يعلم إِلا الله ما هي محطته الأخيرة. واستناداً إِلى كتاب: (ساحات المعارك النووية) لمؤلفيه (وليام آركن) و(ريتشارد فيلد)؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية تملكت حتى بداية الثمانينات الميلادية (670) أداة للأسلحة النووية في (40) ولاية، بحيث يبلغ مجموع الرؤوس النووية الجاهزة (14500) رأس، ولها محطات نووية خارج حدودها، ففي ألمانيا يوجد (3396) سلاحا أمريكياً، وفي بريطانيا يوجد (1268)، وفي إيطاليا يوجد (549)، وفي تركيا (489)، وفي اليونان (164)، وفي جنوب كوريا (151)، وفي هولندا (81)، وفي بلجيكا (25)، وتبلغ القوة التدميرية الإجمالية لهذا السلاح النووي –كما ذكر ذلك وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (كلارك كليفورد)- مليون ضعف من قوة القنبلة التي أسقطها الأمريكيون على مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية، ورغم هذا، تساءل (كليفورد) عما يجب أن تفعله أمريكا في المستقبل فقال: "مع ذلك، ماذا علينا أن نفعل؟"! ثم أجاب على نفسه قائلاً: "علينا أن نمضي قدماً في صناعة المزيد"!!

وهل من مزيد؟

نعم؛ فهم لما بدؤوا السباق في مضمار الدمار الذي اخترعه (نوبل) رمز السلام النووي، اضطرت القوى الكبرى الأخرى أن تدخل السباق لتتمكن من ردع تلك القوة المجنونة التي صبت جام جنونها على هيروشيما ونجازاكي، ثم تتابعت الدول في حيازة ذلك السلاح (الهرمجدوني) حتى أصبحت الدول النامية تتسابق الآن هي الأخرى إلى حيازته، كما حدث في الهند وباكستان، وأصبحنا الآن نعيش عصراً تقتطع فيه الدول من أقوات الشعوب، لتطعِم ترساناتها بكل جديد مهلك من السلاح، فإذا لم تظفر بظروف تختطف فيها فرصتها النووية فإنها تبذل المساعي لامتلاك أسلحة كيماوية أو بيولوجية، أو تكتفي بالتجهيز لامتلاك صواريخ بالستية ريثما تتوفر لها الفرص لتزويدها بالرؤوس النووية التدميرية. وقد ذكرت مجلة (جنيس ديفنس ويكلي) المتخصصة في الشؤون الدفاعية التي تصدر في لندن في عددها الصادر في شهر أيار 1999م: أن أي دولة في العالم مهما كانت خبراتها وقدراتها الحالية، ستتمكن خلال خمسة عشر عاماً بعد العام 2000م من استخدام ونشر الصواريخ البالستية العابرة للقارات، واستشهدت المجلة على تنامي أَخطار التسلح بما حققته دول مثل إِيران التي اختبرت عام 1998م صاروخ (شهاب 3)، وكوريا الشمالية التي جربت صاروخ (تايبو دونج 1) وباكستان التي اختبرت صاروخ (غوري) رداً على اختبار الهند لصاروخها (إجني)!

وهل توقف الأمر بعد الدول الكبرى عند حد الدول الفقيرة والنامية؟! لا؛ فالحديث الآن يتداول في الغرب بكثرة عن الفرص المتاحة أمام بعض الجماعات المسلحة في الغرب وفي الشرق لكي تحوز أسلحة كيماوية أو بيولوجيهّ أو حتى نووية تكتيكية([32]) والفضل في النهاية -أقصد الإِثم- يعود إلى فجور المفجِّرين الأُوَل للقمقم الذي أخرجوا منه المارد النووي على مشارف النصف الأخير من القرن العشرين.

وأين اليهود ؟!

هم من جانبهم أعدّوا عدتهم بحصيلة نووية (متواضعة) تتراوح بين 200 إلى 300 قنبلة نووية، وهم لن يحتاجوا لأكثر من ذلك إذا قسّموا هذه الحصيلة على العواصم المحيطة (المحبة للسلام) بواقع عشر قنابل لكل عاصمة! علماً بأن الغرب وعلى رأسه الأمريكان لم يسمحوا لواحدة من تلك العواصم العربية بالاقتراب من حيازة قنبلة واحدة نووية لردع الجارة الجائرة إسرائيل)!

إِن هذه الدولة اليهودية (الصغيرة) بل الحقيرة تمسك بتلابيب الغرب النصراني مبتزة إِياه باقتنائها المتفلِّت لأسلحة الدمار الشامل، وهي تفرض بذلك هواجس دائمة بأنها تملك جرّه إلى حرب مباشرة، كما حدث في حرب 1973م عندما هددت (إِسرائيل) في بدايتها باستعمال السلاح النووي مما دفع الرئيس الأمريكي الأسبق إلى أن يعلن استنفاراً نووياً من الدرجة الثالثة من الاستعداد في كل أنحاء العالم، وتكرر هذا الابتزاز في حرب الخليج عندما أطلق صدام حسين صواريخه على تل أبيب؛ ولكن اليهود مع هذا يعلمون أنهم سيكونون أول ضحايا حرب نووية في المنطقة، ولهذا؛ فإنهم يعتمدون ما يسمى ب‍ِ (الخيار شمشون)([33]) ومعناه: أنهم سيضحون بالجميع إذا ترجح عندهم أنهم يواجهون خطر الاستئصال.

الأخطاء المقصودة والعصمة المفقودة:

وفي ظل هذا الواقع الرهيب -إن كان له ظل- هل يملك المالكون لأزمَّة الآلة العسكرية في بلاد الغرب أو الشرق الأوسط أو الأدنى أو الأقصى، هل يملكون عصمة تمنعهم من فتح أبواب الجحيم الدنيوي ولو على سبيل الخطأ ؟!

إِن من سوء حظ البشرية تحت القيادة الغربية، أن الشواهد كلها تدل على أن السيطرة الكاملة على التنين النووي ذي الرؤوس الذرية -إلى ما لا نهاية- أمر مستحيل؛ فنحن أمام حقيقة تقول: إما أن تُفني البشرية هذا الخطر أو يفنيها، إلا أن يشاء الله -تعالى- الرحيم بعباده شيئا آخر ينقذ به الإنسانية من الشر الكامن فيها؛ وإلا فإفناء البشرية لترسانات الدمار الشامل يحتاج إِلى قوة رشيدة عاقلة ذات دين، وأين هي الآن؟! فاللهم رحماك!

والآن يُتْحفنا أرباب الحضارة المعاصرة –بشكل شبه يومي- بأخبار تثير الفزع، وتبعث على الهلع، يحدثوننا فيها عن كوارث محتملة وأخرى أكيدة ستعم المعمورة كلها مع مطلع العام 2000م. إنها ليست بسبب (جنون البشر) هذه المرة، ولكن بسبب (العقل) الذي اخترعوه وطوروه حتى كاد يتحكم فيهم بدلاً من أن يتحكموا فيه . . . إنه (الكمبيوتر)!

فالعالم الآن يُستنفر كلما اقترب موعد بدء الألفية الثالثة، بسبب مشكلة الكمبيوتر في عام 2000م أو ما اصطلح على تسميته (العلّة الألفية). . فما هي هذه العلة؟ وما تعليلها؟ وما آثارها المتوقعة؟ وهل يمكن السيطرة على أخطارها التسليحية والبيئية والاقتصادية . . ؟

هذا ما سيكون موضوع حديثنا في المقالة القادمة - إِن شاء الله - .

ملاحظة: يمكنك الحصول على هذا الملف للطباعة والتوزيع عن طريق إرسال بريد إلكتروني على العنوان التالي:  islam567@yahoo.com

 

([1])لأن داود - عليه السلام - قد بناها قبل ميلاد المسيح بألف عام.

([2])  انظر الكنز المرصود في أسرار التلمود.

([3]) الأجاداة هي: الجانب القصصي الشفوي في التلمود، في مقابل الجانب التشريعي المدون.

([4]) القبالاة هي: مجموعة التفسيرات الباطنية (المقبولة) للتوراة، باعتبار أن كل كلمة منها وكل حرف ونقطة تحوى سراً داخلياُ عندهم، لا يمكن فهمه إِلا بالتأويلات الباطنية.

([5]) من المضحكات المبكيات أن بعض (الواقعيين) العرب يروِّجون لصيغة (حل وسط) لضمان كون (القدس) عاصمة للدولة الفلسطينية -كما يتعهد عرفات- وذلك باقتطاع جزء من خارج القدس التاريخية بشقيها، واتخاذها عاصمة بعد أن يُطلق عليها اسم (القدس) !!

([6]) تذكر الإحصاءات أن معدل الولادة بين يهود القدس أعلى بكثير من معدلها في سائر دولة اليهود.

([7]) سفر الملوك، الإصحاح الثامن .

([8]) قبل أن يتحول إِلى وزير للخارجية.

([9]) رواه أبو يعلى، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. أنظر مجمع الزوائد: 10 /63 .

([10]) هم يعتقدون –باطلاً- بأن المسيح مدفون هناك !

([11]) رؤيا يوحنا، الإصحاح، 3/12،13 .

([12]) رؤيا يوحنا، الإصحاح، 20/5-7 .

([13]) سفر رؤيا يوحنا، الإصحاح، 7/3،4 .

([14]) ولهذا احتفل اليهود بتلك النسخة من التوراة، ووضعوها إلى جوار ضريح هرتزل في القدس، انظر النبوة والسياسة، تأليف جريس هالسيل، ترجمة محمد السماك، ص 9 .

([15]) نقلاً عن مقارنة الأديان (اليهودية) لأحمد شلبي، ص 106 .

([16]) مصطلح (الأصولية) نشأ في الغرب أصلا لكي يطلق على المتشددين البروتستانت في مقابل التقليديين من اتباع المذاهب الأخرى.

([17]) إنجيلي: تعني من يكتفي بنص الإنجيل ولا يعبأ بتأويلات الكنيسة، وهذا جوهر الحركة البروتستانتية، كما أسلفنا .

([18]) نقلاً عن: النبوة والسياسة، ص 140 .

([19]) يشارك الكاثوليك في هذا الموقف القبط، وهم من الأرثوذكس، و(بابا) النصارى في مصر يمنع أتباع كنيسته من زيارة القدس ما دامت في يد اليهود وحدهم.

([20]) بعض السياسيين والكتاب طالبوا ياسر عرفات بإعلان الدولة الفلسطينية (وعاصمتها القدس) أثناء تلك الاحتفالات، وكأن هؤلاء النصارى سيجيئون للإحتفال مع عرفات ب‍‍ (عروبة القدس ) !!

([21]) النبوءة والسياسة، ص 94 .

([22]) الأيام الأخيرة في المصطلح العبري (أحريت أياميم) وتعني مرحلة أخيرة من الزمان تقع داخل الزمان وتمهد لنهايته الذي يأتي بعده (يوم هدِّين) يعني يوم الدين.

([23]) سفر حزقيال ، الإصحاح الثامن والثلاثون.

([24]) بروتوكولات حكماء صهيون - ترجمة خليفة التونسي - البروتوكول الخامس ، ص 123 .

([25]) الحرب العالمية الثانية شارك فيها نحو (85) مليون جندي، وفَنِيَ في تلك الحرب نحو (50) مليون من البشر.

([26]) قارن بين هذا (التسامح) مع الأحزاب القائمة على أساس ديني (مسيحي) في بلادهم، وبين ذلك الرفض الهستيري منهم للتمكين لأي حزب يقوم على أساس ديني إسلامي في بلادنا نحن !

([27]) بالمناسبة، فإن السيناتور (بوب دول) هو الذي وضع مشروع القانون الذي يطالب الحكومة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بهدف كسب تأييد الأصوليين الإنجيليين في معركته ضد كلينتون، وأقر الكونجرس ذلك المشروع في 24/10/1995م، ثم عاد فأكد القرار في حزيران 1997م .

([28]) الصين على وجه التحديد هي أول من يمثل معسكر (جوج وماجوج) في اعتقاد الإنجيليين !

([29]) النبوءة والسياسة ، ص 49 .

([30]) النبوءة والسياسة ، من المقدمة لمحمد السماك.

([31]) هم يدربون العقل البشري من الآن على استيعاب معنى هذه اللاإنسانية، كما حدث في البوسنة ويحدث الآن في كوسوفا.

([32]) تحدثت (مادلين أولبرايت) أمام الكونجرس في 4/2/1999م عن ذلك الخطر فقالت: "إن إدارة الرئيس كلينتون تعتزم بذل كل ما بوسعها لدحر ما وصفته ب‍‌ِ (الخطر الثلاثي) المتمثل في دول وتنظيمات إرهابية وشبكات متطرفين تمتاز بحرية في الحركة" وقالت: "إن نوعا جديداً من المواجهة يلوح؛ بينما القرن الجديد يبدأ" وأضافت: "من المحتمل أن يتجنب خصومنا ميادين القتال التقليدية، وقد يلجئون بدلاً من ذلك إلى أسلحة الدمار الشامل" وأعلنت أولبرايت في كلمتها عن برنامج جديد تبنته الولايات المتحدة يمتد لخمس سنين لمواجهة (الإرهاب) وخصصت له الإدارة الأمريكية (50) مليار دولار وقالت: "إن الخطة الخمسية تمثل مجرد بداية" (الحياة ، 6/2/1999م).

([33]) يراجع في ذلك كتاب: (الخيار شمشون -أسرار وخفايا الترسانة النووية الإسرائيلية) تأليف سيمور هيرش، دار الكتاب العربي، وشمشون هو أحد (أبطال) الأساطير اليهودية الذي هدم المعبد عليه وعلى أعدائه.